قراءة في رواية : "ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي" الجمالية التقنية والبعد النفسي والمدلولات الاجتماعية التاريخية للرواية

الأستاذ: بادي مختار المركز الجامعي - بشار-
1-قراءة في العنوان "ذاكرة الجسد":
علاقة الذاكرة بالجسد:
الذاكرة بمعنى الحافظة، نقول تذكر بمعنى استحضر ما كان محفوظا ومخزنا، لذا سميت الذاكرة خزانا للذكريات وإن أكثر التلاميذ برجس انتماء لفلسفته "اعتبر الذاكرة خزانة" والخزانة ملأى بالوعود والأسرار الخفية ولهذا فهي أكثر من مجرد تاريخ نظرا لما تحمله من خفايا تكمن بين أجنحتها الخشبية، لأن "الخزانة الحقيقية ليست مجرد قطعة عادية من الأثاث فهي لا تفتح في كل يوم وهي كالقلب الذي لا يبوح بأسراره لأي إنسان، فمفتاحها لا يوجد في بابها دائما".
وإذا كان هذا حال الخزانة، فإن مفتاح الذاكرة هو في هذا الجسد الذي يحملها، وتبقى شاهدة على أحواله وتغيراته، وهي القادرة على تفسير أغواره ومكنوناته، خاصة حين يتوفر هذا الجسد على منبه يدق كهوف الذاكرة أن تتكلم وتسترسل في الكلام. هذا المنبه مرتبط بهذا الجسد الذي يحمل لغزا يتمثل في أحد الأعضاء المفقودة وهي اليد، التي تعتبر جزء لا يتجزأ منه. أي من الجسد الذي يحمل ذاكرته.
والمتأمل لأحداث الرواية من أولها إلى آخرها، يجدها وليدة هذه الذاكرة المرتبطة بالجسد، فكانت شاهدة عليه حافظة لأسراره وماضيه الطويل، ومن هنا يتحول الجسد إلى ذاكرة لما يحمله من أخاديد وأغوار متعلقة بذلك الماضي، حيث الثورة والاستعمار وما عقب الثورة من حقائق جعل الجسد يتحول لذاكرة، يحمل أسراره وخفاياه خاصة هذه اليد المبتورة التي تطرح أكثر من علامة استفهام. والذاكرة هي التي تجيب عن هذه الأسئلة، من مشاركته في الثورة وإصابته في اليد وبتر ذراعه، وما وقع بعد ذلك. وإن كان الكلام ينطبق على شخصية الراوي السارد لأحداث هذه الرواية والتي تمليها ذاكرته، فإنها أبضا تنطبق على الشخصيات الأخرى المصاحبة له، ومنها شخصية حياة التي تمثل الشخصية المحورية والرئيسية مع شخصية الراوي، فجسد حياة من ميلاده ونموه وتطوره إلى أن أصبح على ما هو عليه الآن جزء من هذه الذاكرة، ذاكرة "خالد بن طوبال" ولذا يعتبر جسد حياة بما يحمل من ملامح من سمرتها وسواد شعرها وتعاريج جسدها وما إلى ذلك مرتبطة بذاكرة الراوي، الشاهد على تطور هذا الجسد ومتغيراته منذ الولادة حتى اللحظة الحاضرة وقت السرد.
كما ترتبط هذه الذاكرة بجسد "كاترين"، سواء في ملامحها أو استقامة خطوط جسدها وبرودتها وعدم مبالاتها، كل ذلك ساهم في فتح نزيف الذاكرة التي ارتبطت بالجسد مثلما ارتبط الجسد بهذه الذاكرة، هذه الثنائية الذاكرة والجسد هي مصدر هذه الرواية من أولها إلى آخرها.
وإذا كان الجسد يحمل تخوم المكان وحفرياته وهو امتداد له "لأن الجسد الإنساني يعد امتدادا للمكان وحسب قوانينه يشكل ويتكون وهذا صعوبة بل استحالة تحديد التخوم التي تفصل الجسد عن محيطه المكاني فثمة تقاطعات وتشابكات بينهما".
لأن المكان له أهمية في صياغة الكائن سواء على مستوى الأفكار، التصورات، السلوك، العادات، التقاليد وحتى على مستوى اللون وبعض الملامح التي تلاحظ على الجسد فتميزه عن غيره، فتجعل من أبناء البيئة الواحدة صفات مشتركة، ولذا نجد جسد حياة وجسد "كاترين" هو فرنسا وجسد الراوي "خالد" شاهدا على الجزائر من ميلادها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن من خلال حياة وشاهدا على فرنسا التي كانت جزء من خلال كاترين.
ولذا اعتمدت الرواية على هذه الذاكرة وما تعيه، فهي تاريخ لجسد الراوي وتاريخ لحياة من مولدها وتسميتها حتى أصبحت شابة، وفي نفس الوقت ذاكرة لجسد "كاترين الذي هو فرنسا التي كانت طرفا في هذا التاريخ وفي هذه الثورة.
جسد الراوي وهو الشاهد والشهيد في آن واحد شاهد على أسرار هذا الجسد وبالتالي أسرار هذا المكان وشهيد لأنه ضحى بأغلى ما يملك من هذا الجسد (اليد المفقودة).
جسد كاترين يحمل تخوم وحفريات المكان الفرنسي وكان طرفا في هذه الثورة وفي التاريخ الجزائري.
الذاكرة هي حافظة لأسرار كل منهما وما يثير نزيف الذاكرة هو هذا الجسد المغربي والشهي.
علاقة المكان بالذاكرة:
إن المكان الذي تتكلم عنه "أحلام مستغانمي" هو المكان الذي يقبع في الذاكرة حيث يعين الهوية ويمنحها الثبات والدوام. فمدينة "قسنطينة" هي دلالة مكانية وجغرافية تدل على الأصل والهوية، ولكونها ترتبط بالذاكرة فهي محملة بتداعيات رمزية تحجب تماما الواقع الوجودي لما عليه "قسنطينة" مدينة ومكانا. فمشهدية المكان تؤدي وظيفة ما في ذاكرة الراوي "خالد بن طوبال"، وعن طريق هذه الذاكرة اتخذ هذا المكان "قسنطينة" شكل مشهدية مثالية غذت مخيلة الراوي/الكاتب. "فالجغرافيا لا تحفز الذاكرة فحسب، بل تحفز الأحلام والأخيلة، تحفز الشعر والرسم والفلسفة".
وذاكرة الراوي "خالد بن طوبال" هي ذاكرة جمعية/تاريخية تم فيها التمازج بين المكان بصفة خاصة وبين ذاكرة تاريخية حيث ارتبطت الذاكرة الجمعية بالتحليلات المكانية والتفكير السياسي، ومن خلالها انتقاء أحداث الماضي، وإعادة بنائها، وصونها وتحريرها بالدلالات السياسية، بل أصبحت الذاكرة الجمعية هنا التي يمثلها الراوي "خالد بن طوبال" ومن ورائه مؤلفة الرواية صناعة للإرث القومي العربي عامة والجزائر خاصة من خلال جسد مجاهد هو "خالد بن طوبال" الذي يحمل في ذاكرته تاريخ الجزائر مكانا وثقافة، ويحمل على جسده هوية المكان وتخومه.
ولذا نقول "إن الأشكال الأدبية والثقافية مثل القصائد الغنائية والنشرات السياسية، وأنواع الروايات المتباينة تستمد بعض أسسها الجمالية من التغيرات التي تحدث في الجغرافية أو في مشهدية المكان نتيجة تنازع اجتماعي". ويبقى التفاعل بين المكان والذاكرة ليغذي المخيلة التاريخية مكونا وظيفة ما في الذاكرة فتخلق أفكارا حول الهوية القومية، والدولية برمتها، مقل ما هو عليه الراوي "خالد بن طوبال" الذي لم يكن بمنأى عن الصراع الفعلي الذي نلمسه في رواية الأحداث التي تقوم أساسا على غلبة العنصر المكاني. فالمكان تصنعه الذاكرة مثلما تتكون هذه الذاكرة من مشهدي المكان القابع فيها.
علاقة العنوان بالمضمون:
هذه العلاقة التي تربط الذاكرة بالجسد، تربط أيضا بمضمون الرواية لأن أحداث الرواية مرتبطة بجسد خالد يوم بتر ذراعه، حيث كانت الثورة الجزائرية على أشدها وكان مجاهدا من مجاهديها على أحداثها حتى اليوم.
والرواية أيضا مرتبطة بالجزائر من يوم ميلادها حين أصبحت حرة كريمة وما طرأ عليها من متغيرات سياسية وإيديولوجية وثقافية، وكانت هذه الأحداث مرتبطة بجسد حياة من يوم ميلادها حتى أصبحت شابة مغربية شهية.
كما يرتبط فضاء الرواية بفرنسا الاستعمارية ونظرتها إلى الجزائر وعلاقتها بهذا المكان من خلال كاترين، فالذاكرة هي العليمة والحافظة لأسرار هذا الجسد الذي يعتبر امتدادا للمكان.
فرنسا
جسد كاترين
ذاكرة الراوي
حياة الجزائر
الثروة الجزائرية تاريخيا
وقد قرأت الكاتبة أسرار المكان من خلال أسرار الجسد، فكحان تاريخا حافلا بأحداثه ومفاجأته ومثل الجسد شلالا يعمل على نزيف الذاكرة، مكونا عالم فضاء الرواية من بدايتها إلى نهايتها.
فالجسد هو من المقبلات الشهية التي فتحت نزيف الذاكرة بوعي أو دون وعي فجاء الكلام مسترسلا عفويا عن طريق التداعي، ومصدر هذا التداعي هو الذاكرة التي تمتلك القدرة على إحضار الشيء في الذهن، بحيث لا يغيب عنها وهو ضد النسيان.
ومن هنا كان جسد "حياة" شهيا للكلام حين ارتبط بماضي الجزائر وحاضرها والمستقبل الذي ينتظرها، وجسد "كاترين" كان مثيرا للكلام عن تلك الذاكرة المشتركة التي ارتبطت بالتاريخ الاستعماري وتصوراته، وجسده هو الذي يعتبر الشاهد والشهيد معا، فالجسد هو واجهة تعكس ما تحمله الذاكرة من حقائق.
هذا ما نلمسه في صلب موضوع الرواية حيث نجد في ثنايا هذا المص.../ أنت الذاكرة المعطوبة التي ليس هذا الجسد المعطوب سوى واجهة لها.../01
أيضا نلمس حقيقة هذا العنوان الذي يكاد يكون صورة طبق الأصل لخالد وذاكرته التي يحملها على جسده.../ كنت تحمل ذاكرتك على جسدك ولم يكن ذلك يتطلب أي تفسير.../02
ومتن الرواية بما يحمل من أحداث وشخصيات وأمكنة هو من صنع الذاكرة.
السر في استخدام الجسد:
ومهما كان يحمل هذا العنوان من سر (ذاكرة الجسد) فإن الظاهرة التي تحتاج إلى تفسير في هذه النتائج "هي طبيعة العلاقة بين الوعي بالجسد عبر اللغة والمكونات الثقافية لبروز الفردية في العصر الحديث، فالجسد كما قال علماء الانثروبولوجيا له دور خاص في المجتمعات التقليدية ذات التركيب الجمعي المتجانس الذي لا يمكن تمييز ما هو فردي ... فالإنسان في هذه المجتمعات يمتزج بالكون والطبيعة وبالجماعة وتصورات الجسد في هذه المجتمعات هي في الواقع تصورات للإنسان، للشخص".03
لكن في العصر الحديث يمثل الجسد عنصرا عازلا للإنسان يعطي له استقلاليته "فالجسد يعمل على طريقة منارة حدودية ليعين تخوم حضور الشخص اتجاه الآخرين، إنه عامل يشير لانقطاع التضامن مع الكون واستقلالية الإنسان" 04.
ومن هنا كانت ذاكرة الجسد التي يحملها "خالد بن طوبال" تعبر عن تفرد في حب هذا البلد والاستعداد للتضحية من أجله وبالتالي يعكس رؤية المؤلفة في غد أفضل ووطن أجمل، مادامت هذه الذاكرة تحافظ على أسرار هذا المكان كما أن الكاتبة استعانت بالجسد حين يرتبط بتخليق وتنمية هذا الوعي الفردي للجسد والانتقال به من مقام المكبوت المسكوت عنه إلى موضوع مستقطب للتجربة الشعرية التي تثير لذة النص وبارت هو القائل: "إن الحقيقة الجسدية ضرورية للذة النص" 05.
01/02 - الرواية ص 85 و86.
03/04- د/ صلاح فضل/ الأساليب الشعرية المعاصرة / دار الآداب، بيروت، ط1، 1995، ص 48.
05- ينظر د/محمد خير البقاع/ تلقى رونال بارت في الخطاب العربي واللساني والترجمة كتابه لذة النص نموذجا/ مجلة عالم الفكر / المجلد 27/ ع1/ 1998/ دولة الكويت ص 30.
المكان والتداعي النفسي:
إن المكان المرتبط بالتداعي النفسي هو المكان الذي يقبع في الذاكرة، ذلك أن المكان الأليف الذي عشنا فيه بيت الطفولة نبقى دائما نستعيد ذكراه حتى وإن ابتعدنا عنه.
وتبقى هذه الأماكن تعيش معنا في عزلتنا ومع خيالنا وأحلامنا وشعورنا وتبقى الذاكرة سيدة الموقف لأنه "غالبا ما تستعيد الذاكرة أثناء الأحلام ذكريات من أيام الطفولة الأولى للشخص الحالم نستطيع فيها أن نؤكد في يقين أنها ليست فقط منسية بل إنها قد أصبحت لاشعورية نتيجة لما عانت من كبت" 01.
وعن طريق الوعي بما هو كائن داخلنا على مستوى الإحساس والخيال والشعور. "والوعي متى ولدت بين يديه الرسالة لا يستطيع تجاهلنا فهو مجبر على معرفتها ولا يقدر على ردها وهو عاجز كذلك عن وقف ترددها سواء كانت مما تقبل عليه النفس أم مما تعافه، فذلك قائم مادامت سبل الرسالة السالكة" 02. وهذا ما يعرف عند علماء النفس بالتداعي أي يطلقوا العنان لأفكارهم تسترسل من تلقاء نفسها. فكل فكرة تسلمك للأخرى بطريقة غير إرادة مؤلفة سلسلة من الحلقات، كل حلقة تجدب إليها غيرها وهذا ما وقع "لخالد بن طوبال" أثناء سرد الأحداث عبر الذاكرة، فكل حدث يجذب إليه غيره.
وقد وسع الفلاسفة المحدثون معنى التداعي وأطلقوه على التداعي النفسي كله "وليس تداعي الأفكار سوى جانب واحد من جوانب التداعي لأن الحركات والانفعالات والادراكات الحسية، والخبرات تتداعى كما تتداعى الأفكار" 03، وهذا نلمسه في رواية ذاكرة الجسد "لأحلام مستغانمي" فالمكان جاء عن طريق التداعي من خلال شخصية "خالد بن طوبال" الذي يحمل مكانه في ذاكرته، وورد هذا المكان عن طريق التداعي فجاء مسترسلا يدور حول مدينة قسنطينة ووطنه الجزائر وذاكرته الثورية، ولذا تنطلق الرواية من الحاضر في اتجاه الماضي عن طريق الذاكرة قصد استحضار جوانب من الماضي معتمدا على التداعي في عملية استرجاع هذا الماضي، "وهي تقنية اعتمدها كثيرا الكاتبة "أحلام مستغانمي" في روايتها هذه، مما أضفى عليها تشكيلا جديدا وممازجة بين الماضي والحاضر " 04. وقد نلمس هذه الظاهرة من خلال الشخصية المحورية التي يمثلها "خالد بن طوبال" الذي هاجر إلى فرنسا لكن حفريات المكان تبقى تطغى على شخصيته وعلى ذاكرته لأن "كل مناطق الألفة موسومة بالجاذبية" 05.
01-سيجمن فرويد "معالم التحليل النفسي" إشراف د/محمد عثمان نجاتي/مكتبة التحليل النفسي والعلاج النفسي/ دار الشروق/ الطبعة الخامسة 1983/ ص 31.
02-نعيم علوية "الاختلاج اللساني"/سمياء التخطيط النفسي/ ص134.
03-د/جميل صليبا/"المعجم الفلسفي/ج1/ دار الكتاب اللبناني/بيروت/ص 263.
04-د/عمار زعموش/الخطاب الروائي في "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي/ من نقد الواقع إلى البحث عن الذات/ الثقافة/ مجلة الثقافة/ ع11/1997.
05-جاستون باشلار/ جماليات المكان/ ص 49-50
ولذا كان وطنه الجزائر ومدينته -قسنطينة- تجذبه إليها. وهذا الجذب جعل مكانه يتداعى عن طريق الذاكرة مسترسلا لمجرد وجود قرينة دالة عليه، فجاءته هذه المدينة عن طريق سمة من سماتها، فتجسدت في شخصية "حياة" بنت صديقه أو صوت المآذن الذي وصله أو في ذلك اللون الأسمر، والشعر الأسود الذي يميز الجزائري ولا عجب في ذلك لأن "سمات المأوى تبلغ حدا من البساطة ومن التجدر العميق في اللاوعي يجعلها تستعاد بمجرد ذكرها أكثر مما تستعاد من خلال الوصف الدقيق لها" 01
ولذا نجد "قسنطينة" حاضرة في كل شيء في البيت وفي الغرفة وفي المعرض وعن طريق الفتاة الزائرة التي تسمى "حياة" فهي تاريخه وذاكرته، والمكان يبقى يعيش مع الإنسان مهما ابتعد عنه" وهكذا فإننا نملأ الكون برسوم عشناها، وليس ضروريا أن تكون هذه الرسوم دقيقة، كل المطلوب أن يكون لها نغمية حياتنا الداخلية"02.
وإذا لم يكن من المكان "القسنطيني" الذي يحمله "خالد بن طوبال" في ذاكرته مجسدا بأبعاده الفيزيائية، وإنما في الموقع الثقافي الذي يسيطر عليه الآن "المكان لا يتوقف حضوره على المستوى الحسي وإنما يتغلغل عميقا في الإنساني، حافرا مسارات وأخاديد غائرة في مستويات الذات المختلفة ليصبح جزء صميميا منها" 03، ولذا نجد هذا المكان مجسدا في تلك الصفات التي تميز "حياة" من لونها إلى ملامحها فلباسها، ولون شعرها وطريقة كلامها وثقافتها "فالإنسان بوصفه الكائن الأكثر وعيا بالمكان، يمتلك حاسة مكانية تتيح له القدرة على انتظام المكان بالإقامة فيه"04 فيكون كائنا واحدا، ولذا يبدو لنا التحام المكان بالشخصيات التحاما عضويا، ارتبط بالجسد، مثلما ارتبط ببنية الرواية ككل عن طريق التداعي.
ولذا تداعت الأفكار مؤلفة من سلسلة متصلة الحلقات من ميلاد "حياة" المقترن بالثورة الجزائرية والمراحل التي عقبت ذلك بعد الاستقلال عن طريق "قسنطينة"، فجاء المكان متواترا عن طريق تداعي الوعي عبر الذاكرة التي تجعل الراوي دائما وجها لوجه مع هذه المدينة، حتى وإن كان في باريس والمتأمل لهذه الرواية يجد لغة الشعور هي اللغة التي يسرد بها "خالد بن طوبال" بطل الرواية وقائع حياته بضمير الأنا من يوم ميلاده إلى يوم مشاركته في الحرب، وعلى هذا النحو فإن كل ما يعرفه أو يمكن أن يعرفه القارئ لا يعي سوى وعي "خالد" لذاته.
وليس شعور "خالد" هو وحده الذي يتكلم في الرواية، بل كذلك لا شعوره، وهذه الازدواجية في ضمير الأنا المتكلم تستبعد ازدواجية في لغة الكلام، فلئن كان شعور "خالد" يتكلم بالكلمات فإن لا شعوره يتكلم بالأشكال الأخرى، وهذه اللغة التشكيلية عي لغة أحلامه وكوابيسه، وهي أقرب إلى الخواطر الصادرة من أعماق الذات، فتتداعى المكان مسترسلا إما عن طريق الذاكرة أو اللوحات الزيتية المعلقة على الجدار.
01-المرجع السابق ص50
2-المرجع السابق ص49
03-خالد حسين حسين/مخطوط رسالة الماجستير-المكان في الرواية الجديدة ص46
04-المرجع نفسه ص48
1-قسنطينة الذاكرة:
إن المتأمل لما ورد في هذه الرواية لا يلمس هذا المكان بوجوده الموضوعي أو الفيزيائي، وإنما يلمس ذلك المكان الذي يحمله الخيال عن طريق الذاكرة وتداعياتها، ولذا يرتبط هذا المكان بالخيال وتحكمه اللغة على نحو يتجاوز الواقع أو يظل واقعا محتملا، لأنه ممزوج بالخيال وأحلام اليقظة وتصبح هذه الظاهرة سارية المفعول مع الإنسان الذي يعيش في المنفى مثل "خالد بن طوبال" في هذه الرواية "لأن الوجود في المنفى يعنى الانقطاع عن الوجود الفعلي في الوطن كما يعني في الوقت نفسه تمددا داخليا لهذا الوجود ذاته، وحين يصبح وجود الوطن داخليا تنشط حركة الخيال وتظهر مستويات متعددة للحلم والذاكرة، فيفترق المكان الواحد في أمكنة عدة"01.
كما أن "الصور التي يبدعها الخيال لا تخضع لمحك الواقع" 02. ولذا تعتمد الرواية على عنصرين أساسيين هما –الماضي والحاضر وقت السرد- فتبدأ في لحظة من لحظات "خالد بن طوبال" حين فتح باب الذاكرة ثم تعود الرواية إلى الوراء ربما لسنوات طويلة، لإعطاء القارئ الخلفية التي صنعتها والعالم الذي تدور فيه ّأحداث الرواية، ولذا نلمس أن المكان المتخيل الذي يعيه "خالد بن طوبال" لم يقدم دفعة واحدة وإنما تم بناؤه عبر مراحل ومحطات، تمثل في النهاية صورة كاملة لـ "قسنطينة" لأن هذا المكان منسوج في ذاكرته الشخصية ومخزن فيها، تستدعيه اللحظة على غير نظام أو ترتيب، ولذا لا تكتمل صورة المكان "القسنطيني" سوى في نهاية القراءة ويعاد ترتيبها في مخيلة القارئ لتكتمل تلك الأجزاء المتناثرة هنا وهناك مكونة الإطار العام لهذه المدينة، من خلال حفريات المكان المتمثلة في شخصيات الرواية، ولا يظهر المكان مركزا في كتلة نصية متكاملة لها خصائصها، ولكن نراها انتشرت ونثرت على النص كله وأصبحت مهمة جمعها في صورة متكاملة هي مهمة القارئ لا الروائي.
وإذا تتبعنا صورة مدينة "قسنطينة" عن طريق الذاكرة، نجد هذه المدينة تجاوزت تلك الأبعاد الهندسية التي تميزها، وتشكلت عن طريق اللغة والخيال، وما يتولد من أحاسيس وفضاءات شعورية وليدة هذا المكان، حيث الأمكنة تنتج شخصياتها، وعن طريق صفات شخصياتها وطبائعهم نتعرف على حفريات المكان، فكذلك كانت "قسنطينة" في هذه الرواية.
فهي مدينة مثلما تحدثنا عنها ذاكرة "خالد بن طوبال" مدينة كريمة سخية تبذل بلا مقابل في أفراحها وأحزانها "لكن قسنطينة مدينة تكره الإيجاز في كل شيء، وتقول كل ما تعرفه ولهذا كان حتى الحزن وليمة في هذه المدينة" 03.
كما أن المدينة لا تترك صاحبها فلمجرد ظهور الجزء يستدعي الكل "ها هي ذي قسنطينة وها هو كل شيء أنت وها هي أنت تدخلين إليّ من النافذة نفسها التي سبق أن دخلت منها منذ سنوات مع صوت المآذن نفسه وصوت الباعة، وخطى النساء الملتحفات بالسواد"04... والصور التي نعرفها عن هذه المدينة أنها مسلمة تعتنق الإسلام تلتحف نساؤها بالسواد.
01-اعتدال عثمان/إضاءة النص/ ص 05.
02-جاستون باشلار/ جماليات المكان/ ص 119.
03-الرواية ص12.
04-المصدر نفسه ص12
وتستمر البنية المكانية المتوالدة ويتم استمرار العناصر المكانية وتدرج حضورها عبر مراحل أو محطات مثل:
-كيف أنت يسألني جار ويمضي للصلاة...
فيجيبه لساني بكلمات مقتبضة، ويمضي في السؤال عنك.
كيف أنا؟
أنا ما فعلته بي سيدتي... فكيف أنت؟ يا امرأة كساها حنيني جنونا.
وإذا بها تأخذ تدريجيا، ملامح مدينة وتضاريس وطن.
وإذا بي أسكنها في غفلة من الزمن، وكأنني أسكن غرف ذاكرتي المغلقة من سنين
كيف حالك؟
يا شجرة توت تلبس الحداد وراثيا كل موسم.
يا قسنطينة الحب .....والأفراح والأحزان والأحباب أجيبي أين تكونين الآن؟
ها هي ذي قسنطينة...باردة الأطراف والأقدام، محمومة الشفاه مجنونة الأطوار"2
ما يلاحظ على هذا المكان أنه مكان فني، يتميز بالانزياح والتحول والنفي. فمدينة قسنطينة تصبح امرأة تأخذ شكل مدينة وملامح وطن، وما هذه المرأة إلاّ "حياة" التي تمثل المدينة والوطن.
و"خالد بن طوبال" سكن هذه المدينة مثلما سكن ذاكرته المغلقة منذ زمن، وقد بدأ دور المكان المتداعي الأطراف رغم واقعيته من حيث هو موجود فيزيائي حقيقي أقرب إلى المكان الأسطوري الخرافي منه إلى أي وصف آخر، بل إلى درجة يمكننا أن نعتقد أن هذا المكان بإضافته الملحقة به يعتبر بطلا له شخصيته وفعاليته المتميزتين كغيره من أبطال الرواية وقد حمل المكان بعض الإشارات الرمزية البالغة الدلالة في سياق المعالجة الروائية.
وتجدر الإشارة إلى أن المدينة تفقد كينونتها العمرانية المحددة لتسبح فوق مفهوم الوطن لأنه مفهوم أعم ومتجذر في أعماق التاريخ.
كما أن هذا المكان تجاوز طبيعته الملموسة ليخلق عن طريق اللغة والكلمات مكانا متخيلا له خصائصه التي ينفرد بها عن غيره، والمتأمل للكلمات التالية: يا امرأة، يا شجرة توت، يا "قسنطينة" الأثواب، يجدها صورا محسوسة مرئية خارجية ينتقل بها خيال الروائي من الخارج إلى الداخل، وتولد فيه عدوى الحب على غرار المشهد الطبيعي، في حالة من التجانس الكوني، فالانبثاق الخلاق الطبيعي يتفجر في الداخل متحدا بالخارج.
2-الرواية ص17
03-د/نصرت عبد الرحمن/الصورة الفنية في الشعر الجاهلي/مكتبة الأقصى/عمان/ 1976/ص 106.
أما جملة –تلبس الحداد وراثيا كل موسم- فهي إشارة إلى الحزن أو إلى اللحاف الأسود الذي تلبسه النساء في قسنطينة. كما نلمس في هذا المقطع كثرة التشبيه "لأن التشبيه يضرب في أعماق الوجود الإنساني الذي يسعى إلى اقتناص الحقيقة، والمشبه والمشبه به إذا ما كثر ترددهما يدلان على علاقة رمزية أبعد من العلاقة الظاهرة بين الطرفين"3.
كما في إضافة النسب إلى "قسنطينة" – يا "قسنطينة" الأثواب ... يا "قسنطينة" الحب...والاسم الذي تتصل به ياء النسب يسمى المنسوب أي منسوب إلى قسنطينة كما يسمى الاسم قبل أن تتصل بآخر ياء النسب المنسوب إليه فأثوابها أثواب قسنطينة وحبها حب قسنطينة ولذا نلمس حبه لهذه المدينة بما حوت بمالها وما عليها هذا الحي الذي يصل إلى نار – محمومة الشفاه، مجنونة الأطوار – "وما الحب إلا نار منقولة وما النار إلا حب مباغت" 1 حسب تعبير باشلار كما نجد أن هذا المكان المتمثل في مدينة قسنطينة ينطوي تحت إطار فعالية الخيال " والكائن الإنساني يكمن للمكان بشباك اللغة وهو بذلك يمنحه لسانا ولغة، وعليه تعد اللغة الوسط الذي يستيقظ فيه المكان من غفوته الأبدية" 2 فيتكلم ويحلم ويخاطب ويزور وهذا ما نجده في ذاكرة "خالد بن طوبال" عبر هذه الخواطر التي تتداعى من الذاكرة والمتشبعة بالثقافات المحلية فضلا عن حمولتها الدلالية لأن "المكان تجربة نعيشه جسديا وفكريا" 3 كما أن هذا المكان يخضع لخصائص الكلمة التصويرية فالكلمة لا تنقل إلينا عالم الواقع بل تشير إليه وتخلق صورة مجازية لهذا العالم" 4 والمتمثل في المرأة – يا امرأة، سيدتي، يا شجرة توت، ...
كما أن المكان الذي يسكن الذاكرة يبقى خفيا وسريا ولا يمتلك تلك الحقيقة الموضوعة المطلقة وهذا ما أكده باشلار في قوله "كل ما نوصله للآخرين هو تكييف لما هو خفي وسري، ولكننا لا نستطيع أبدا أن نحكي عن ذلك بموضوعية ما هو خفي لا يمكن أن يمتلك موضوعية مطلقة وفي هذا المجال نحن لا نكيف عالم أحلام اليقظة ولكننا نخلقه" 5 لأن هذا المكان هو مكان شعري تصنعه اللغة والخيال، كما أن هذا المكان تغلب عليه شعرية التعبير المفعمة بالحرارة الغنائية ولذا توالت أدوات التشبيه وحروف اسم الوطن التي تعتصر دلاليا وموسيقيا/... يا امرأة كساها حنيني جنونا وإذا بها تأخذ تدريجيا ملامح دينية وتضاريس وطن.../
كما نحدد منط الشعرية في التركيب عن طريق التوزيع المتماثل الذي تقوم به الجمل القصيرة غالبا هذا ما يوقظ لدى المتلقي شعورا جديدا لأشياء تتولد عند إدراك هذه النسبة اليسيرة من الانحراف التركيبي/ يا امرأة كساها حنيني، يا شجرة توت، يا قسنطينة الحب.../ وكانت هذه التراكيب كافية لخلق درجة عالية من التوتر الجمالي تعزز الانحراف وتصل بالتركيب إلى درجة السخونة الشعرية اللازمة، وتفتح صيغة تعبيرية جارفة وحارقة مكونة من فعل الرغبة تلك الأيروسية للمكان الذي يصل درجة الحب فالعشق فالذوبان في هذا المكان.
1-جاستون باشلار، النار في التحليل النفسي، ترجمة نهاد خياطة، دار الأندلس، بيروت، ط4، 1984، ص28.
2-خالد حسين حسين، مخطوط رسالة ماجستير، المكان في الرواية الجديدة، ص 60.
3-نفس المرجع ص54.
4-د.سيزا قاسم، بناء الرواية، ص78.
5-جاستون باشلار، جمالية المكان، ص50
والمتتبع لذاكرة "خالد بن طوبال" وتداعياتها حول هذه المدينة وبعض ملامحها يكتشف ذلك الملل والضياع والرتابة واليأس الذي يصل بها وبساكنيها، والجمود الذي يلاحظ على حالها والعجز الذي أصابها هذا ما نلمسه في تداعيات هذه الشخصية حين تذكر بيت للشاعر – هنري ميشو –
/أمسيات....أمسيات
كم من مساء لصباح واحد
أنقب بعض الشيء في ذاكرتي عن القصيدة التي أخذ منها هذا البيت، وإذا بعنوانها – الشيخوخة-
فيخيفني اكتشافي فجأة وكأنني أكتشف معه ملامح وجهي الجديدة.
فهل تزحف الشيخوخة هكذا نحونا حقا بليل طويل واحد. وبعتمة داخلية تجعلنا نتمهل في كل شيء، ونسير ببطء دون اتجاه محدد؟
أيكون الملل والضياع والرتابة جزءا من مواصفات الشخوخة... أم ترى الوطن بأكمله هو الذي يخل اليوم سن اليأس الجماعي.
أليس هو الذي ملك هذه القدرة الخارقة على جعلنا نكبر ونهزم في بضعة أشهر وأحيانا في بضعة أسابيع فقط 1.
وقد تحول هذا العنوان – الشيخوخة – من تلك القصيدة إلى عنوان لهذه المدينة وهذا الوطن الذي عرف بجموده وعقمه وعدم مسايرته للعصر، كما عانى المواطن العربي شتى أنواع الإكراه "فالشخصية العربية تعيش بصورة عامة حالة اغتراب واستلاب فهي تعاني من الجمود والقصور والسلبية ومن مختلف مواطن الضعف والمعاناة الوجودية" 2 ومظاهر استلاب هذا الوطن تجعل المواطن في حالة اغتراب وعجز دائم "ومفهوم الاغتراب هو الحالة أيضا التي يتعرض فيها جوهر الشخصية للإكراه فعندما تتعرض الشخصية الإنسانية في جوهرها العقلي والثقافي أو الاجتماعي لنوع من التشويه والاغتصاب تحدث عملية اغتراب وتشويه"3 تنعكس على ذهنية المواطن الذي يصاب باليأس والخمول وفقدان روح المبادرة، بل يصل الأمر إلى الاستسلام والذهول فيصاب المواطن بالشيخوخة قبل أوانها، ومن هنا يشعر "خالد" بذلك اليأس والقنوط نظرا للمكان المندمج بأنواع التشويه والفوضى والقمع، اندمجت جميعها في المكان الداخلي الذي يحمله.
وخلال هذا الدمج تتنوع الصور المتنوعة في أعماق المكان الداخلي الساكن في الذاكرة يقول خالد: "قبل اليوم لم أكن أشعر بثقل السنين. كان حبك شبابي، وكان مرسمي طاقتي الشمسية التي لا تنضب، وكانت باريس مدينة أنيقة، يخجل الواحد أن يهمل مظهره في حضرتها. ولكنهم طاردوني حتى مربع غربتي، وأطفؤوا شعلة جنوني... وجاءوا بي حتى هنا والآن نحن نقف جميعا على بركان الوطن الذي ينفجر، ولم يعد في وسعنا إلاّ أن نتوحد مع الجمر المتطاير من فوهته وننسى نارنا الصغيرة...
اليوم لاشيء يستحق كل تلك الأناقة واللياقة، الوطن نفسه أصبح لا يخجل أن يبدو أمامنا في وضع غير لائق"4.
1-الرواية ص27
2-د.علي وطفة، المظاهر الاغترابية في الشخصية العربية، مجلة عالم الفكر، مجلد 27، ع2، ص242
3-نفس المرجع ص 242.
4-الرواية ص28
واللافت للانتباه هنا أن تجليات المكان لا تظهر بوضعها المادي المجسد، وإنما من خلال الملامح العامة للشخصية المكتملة بوضعنا الاجتماعي والسياسي والثقافي، ولذا نلاحظ أن العلاقة بين الشخصية والمكان، تنقسم إلى نوعين: علاقة الانتماء التي تثبت انتماء خالد بن طوبال إلى هذا المكان والمتمثل في حبه لمدينته ووطنه، والمكان الأليف دائما يتميز بتلك الجاذبية /كان حبك شبابي وكان مرسمي طاقتي الشمسية/...
كما يتم التعامل مع معالم المكان هنا على أنه بطل من أبطال الرواية، يتميز بالحيوية والحركة والقدرة على الحوار، لأن المكان تتضح أبعاده من التأثير الاجتماعي "فالواقع يبقى خارجا ما لم تجر فيه أفكار يصنع من خلالها الإنسان معنى جديدا لأبعاد ذلك المكان"1.
ولذا ارتبط هذا المكان بوضعه السياسي أيضا، فعلاقة الانتماء ممزوجة بعلاقة التنافر أيضا / ولكنهم طاردوني حتى مربع غربتي/ كما أن مظاهر الإهمال والفوضى وسوء التسيير التي صاحبت هذا المكان الوطن بقت مغروسة في ذاكرة هذا الرجل.../الوطن نفسه أصبح لا يخجل أن يبدو أمامنا في وضع غير لائق/
أما حركة الشخصية ضمن المكان فهي قائمة على الغوص والدخول في العمق "وهذا يعني أن الشخصيات تموت في المكان نفسه الذي تعبر عنه وإن لم نقل تلتحم به" 2
1-ياسين النصير، المكان في الرواية، أفاق عربية، النسخة الخامسة، ع8، مجلة ص 78.
2-لؤي علي خليل، المكان في قصص وليد إخلاصي، خان الورد نموذجا، مجلة عالم الفكر، مجلة25، ع4 افريل يونيو 1997، ص244.
.../الآن نقف جميعا على بركان الوطن الذي ينفجر، ولم يعد في وسعنا إلاّ أن نتوحد مع الجمر المتطاير من فوهته/... وهنا نلمس نبرة الحزن والشعور باليأس الذي يصل إلى درجة الاستسلام "وهي ظاهرة اجتماعية تدخل في نسيج الحياة الثقافية والاجتماعية العربية، وتترامى أبعاد هذه الظاهرة في كل مناحي الوجود الاجتماعي والثقافي، وهي تأتي نتاجا لإكراهات شتى تتمثل في القمع التاريخي والسياسي والأخلاقي والتربوي والاقتصادي"1
وتستمر ذاكرة هذا الرجل في استرجاع صور هذه المدينة المجاهدة، فكل أشجارها ووديانها وأدغالها شاركت في الثورة وهي شاهد على ذلك كما أنها تستفز ذاكرة هذا الرجل على البوح والكلام ويقول خالد: .../كل شيء يستفزني الليلة...وأشعر أنني قد أكتب أخيرا شيئا مدهشا...فما أوجع هذه الصدفة التي تعود بي، بعد كل هذه السنوات إلى هنا للمكان نفسه لأجد جثة من أحبهم في انتظاري بتوقيت الذاكرة الأولى. يستيقظ الماضي الليلة داخلي... مربكا يستدرجني إلى دهاليز الذاكرة فأحاول أن أقاومه، ولكن هل يمكن لي أن أقاوم ذاكرتي هذا المساء؟ أغلق باب غرفتي وأشرع النافذة... أحاول أن أرى شيئا آخر غير نفسي، وإذا النافذة تطل على ... تمتد أمامي غابات الفار والبلوط، وتزحف نحوي قسنطينة ملتحفة ملاءتها القديمة، وكل تلك الأدغال والجروف والممرات السرية التي كنت يوما
أعرفها والتي كانت تحيط بهذه المدينة كحزام أمان، فتوصلك مسالكها المتشعبة وغاباتها الكثيفة إلى القواعد السرية للمجاهدين، وكأنها لتشرح لك شجرة بعد شجرة ومغارة بعد أخرى أن كل الطرقات في هذه المدينة العربية العريقة تؤدي إلى الصمود وأن كل الغابات والصخور هنا قد سبقتك في الانخراط في صفوف الثورة. هناك مدن لا تختار قدرها ... فقد حكم عليها التاريخ، كما حكمت عليها الجغرافية ألاّ تستسلم ولذا لا يملك أبناؤها الخيار دائما فهل عجب أن أشبه هذه المدينة حد التطرف.../2
ها هي قسنطينة تستمد سماتها من مكانها، هذا المكان الذي عرف بنضاله وثورته وموقعه الجغرافي وتضاريسه ووديانه وأشجاره، التي كانت مأوى للمجاهدين وخارج هذا الجو بعيدا عن غاباتها وظلال أشجارها خارج هذا لن تكون هي ذاتها لأن عالمها يكملها كما أن خالد بن طوبال وليد هذا المكان المرتبط بذكرياته "ولذا نقول أنه بقدر ما يصوغ المكان الشخصيات والأحداث الروائية يكون هو أيضا من صياغتهما إن البشر الفاعلين صانعي الأحداث، هم الذين أقاموه وحددوا سماته، وهم قادرون على تغييرها ولكنهم بالطبع بعد أن يقوموا أي البشر بذلك فهم يتأثرون بالمكان الذي أوجدوه"3
1- د.علي وطفة، المظاهر الاغترابية في الشخصية العربية، مجلة عالم الفكر، مجلد 27، ع2، ص248
2-الرواية ص30.
3-تأليف نخبة من الروائيين العرب، الرواية العربية واقع وافاق، دار ابن رشد للطباعة والنشر، ط1981، ص2.
والمتأمل لهذا المشهد المستحضر عن طريق الذاكرة، يلمس فضاء المكان الذي تتحرك فيه الشخصيات، ويتحرك أو يتمرأى فيه الزمان، وهي مدينة قسنطينة التي تمثل مسرحا أو حلبة للهاجس الوطني الذي تشحن فيه أعلى درجات الفعل القصصي الذي يحيل مباشرة إلى أصله ومرجعه المقاومة، إنه مشهد وطني وإن يكن واقعيا تصنعه الذاكرة كما ارتبط هذا المكان بالهوية، ولذا فالمسافة بين المشهد القصصي والمشهد التاريخي أدق من الشعرة، كما أن المكان المسكون بالهاجس الوطني يقترن أو يعيد إنتاج التاريخ قصصيا.
وأثناء قراءتنا لهذا المقطع نلمس الأمان والاطمئنان الذي يرمز إلى صفاء الفضاء الوطني واستقرار الهوية وانسجامها مع ذاتها مكانا وزمانا وإنسانا.../فهل عجب أن أشبه هذه المدينة حد التطرف.../ لهذا فالعين تسرح بدورها آمنة مطمئنة خلال هذا المشهد متأنية لا تخل من رومانسية في تأمل تضاريس المدينة من أدغال وأشجار وغابات فهذه الوقفة المشهدية الارتجاعية التي تتخلل السياق، تنعدم فيها الحركة وتسرح العين أفقيا جاعلة المشهد بانوراميا كما يرتسم ويتجلى وصفيا وديكوريا.
والمتتبع لتداعيات هذه الذاكرة يلمس أن هذه المدينة قسنطينة هي امتداد للوطن وتتحول المكان أمومي هذه الأم التي تعوض الحنان المفقود.../ولم أعد أذكر الآن بالتحديد، في أي لحظة بالذات أخذ الوطن ملامح الأمومة وأعطاني ما لم أتوقع من الحنان الغامض والانتماء المتطرف له.../ 1
ولا عجب في ذلك المكان العربي هو مكان أمومي 2 لأن المكان الأليف الذي ارتبط بطفولتنا وأحلامنا، نشعر بالدفء فيه والحماية، وهذه صفة مشتركة مع الأم التي نشعر ونحن في حضنها بتلك الجاذبية والحماية.
وعن طريق تداعي الحالات الشعورية، هناك قانون يسمى قانون التضاد "فالحالات النفسية المتضادة يوضح بعضها بعضا وبضدها تتميز الأشياء، وقانون التضاد أحد قوانين التداعي"3 ، فها نحن نلمس فضاء مضادا لذلك المكان الأمومي هو مكان القمع والفساد السياسي، ومظاهر الاستبداد، وقد استعانت الكتابة بمظاهر الفضاء الخارجي الذي يعكس بعض تصوراتها حول الأنظمة العربية فالمكان يحمل تصورات مثلما يحمل أفكارا.
فها هو "خالد بن طوبال" يتذكر زميله وقائده الشهيد "سي الطاهر" المرتبط بهذه المدينة وهذا الوطن.../ ها أنا أذكره في ليلة لم أحجزها له...وبينما أسحب نفسا من سيجارة أخيرة يرتفع صوت المآذن معلنا صلاة الفجر ومن غرفة بعيدة يأتي بكاء طفل أيقظ صوته أنحاء كل البيت... فأحسد المآذن وأحسد الأطفال الرضع لأنهم يملكون وحدهم حق الصراخ والقدرة عليه قبل أن تروض الحياة حبالهم الصوتية وتعلمهم الصمت.
1-الرواية ص 32
2-ينتظر ترجمة غالب هلسا ص10
3-د3جميل صليبا، المعجم الفلسفي، ص285.
لا أذكر من قال "يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلم النطق وتقضي الأنظمة العربية بقية عمرها في تعليم الصمت" وكان يمكن للصمت أن يصبح نعمة في هذه الليلة بالذات تماما كالنسيان، فالذاكرة في مناسبات كهذه لا تأتي بالتقسيط وإنما تهجم عليك شلالا يجرفك إلى حيث لا تدري من المنحدرات. وكيف لك لحظتها أن توقفها دون أن تصطدم بالصخور وتتحطم في زلة ذكرى وها أنت ذا تلهث خلفها لتحلق بماض لم تغادره في الواقع وبذاكرة تسكنها لأنها جسدك.../1، إن أول ما نلاحظه أن فضاء المشهد ما يزال منتشرا ومتراميا أي مازال فضاء بانوراميا يفتقد أبعاده وحدوده المميزة والمحددة/... ومن غرفة بعيدة يأتي بكاء طفل.../ كما نلاحظ أن هذا المشهد المكاني بقي ساكنا لم يستغل في خلق ديكورية متحركة، فصوت المآذن وصراخ الطفل الذي يصدر من بيت بعيد يبقى فضاء خارجيا يعكس تلك التصورات الداخلية – أي التعبير بالخارج عن الداخل – أي أن فعالية العين القصصية متجهة رأسا نحو الفعل بنوعه، فعل الطبيعة وفعل الإنسان صراخ الأطفال وصوت المآذن التي تمتلك الحرية في الصوت والأنظمة العربية التي تعلمك الصمت.
كما أن الأمكنة الحسية التي ذكرت تبقى مجرد – مرجع – ينتصب خارج النص ويبقى المكان الحقيقي، وهو المكان الذي يسكن الذاكرة والمرتبط بطبيعة النظام في هذه المدينة، التي تفتقر إلى حرية الرأي وحرية الكلمة وهكذا "يظل النص الروائي الراقي هو المعبر الحقيقي عن ذلك الجزء المهشم من الوجود لأنه الوحيد القادر على تتبع التأوه ورصد أماكن التألم المبرران الأساسيان لذلك التنوع والتناغم في بناء جمالية النص"2، ويبقى المكان الأليف المتمثل في مدينة قسنطينة حاضرا عبر الذاكرة من سجن – الكديا- حيث كان الموعد النضالي الأول مع سي الطاهر، إلى ثانوية قسنطينة وسلطة اللغة العربية التي كانت لغة هذه المدينة/...لا يمكن لأحد فيها أن يتجاهل سلطة اللغة العربية وهيبتها في القلوب والذاكرة/...3
واللافت للنظر أن النموذج التصويري لهذه المدينة الماكثة في الذاكرة والتي تعتبر العمود الفقري لهذه الرواية، نجدها تعتمد على إبراز المكان، وما يتعلق من أشياء وكائنات متشيئة، عن طريق الشخصيات وحفريات المكان التي تحملها فجسد هذا الرجل وذراعه المفقودة هو امتداد لقسنطينة بتاريخها ومقاومتها وشهدائها، واللوحة التي رسمها وسمّاها –اعتذار- اعتذار لكاترين على رسم وجهها بدل رسمها عارية إلاّ دليل على هذا المكان الذي يعرف بالحساء والمحافظة والخجل، وهذا دليل على أن "خالد بن طوبال" يعيش مكانه المتمثل في قسنطينة حتى وهو في فرنسا وهذا ما يعكسه قوله أثناء معاتبة كاترين له .../ولكن أنا أنتمي لمجتمع لم يدخل الكهرباء بعد إلى دهاليز نفسه أنت أول امرأة أشاهدها عارية تحت الضوء، رغم أنني رجل يحترف الرسم...فاعذريني إن فرشاتي تشبهني، إنها تكره أيضا أن تتقاسم مع الآخرين امرأة عارية/4
1-الرواية ص32
2-د3محمد بشير بويجرة، زمانية النص وفضاء التجربة، تجليات الحداثة، جامعة وهران، معهد اللغة العربية، ع3، 1994، ص105.
3-ينظر الرواية ص 35-36 وما بعدها
4-الرواية ص111.
ويبدو أن النموذج السردي الغالب على النص هو الذي أتاح للمؤلفة استجماع العناصر الشتيتة من صور وذكريات الماضي، ونسجها في اتساق وعفوية بقدر واضح من الشفافية والتماسك والتوازن، بحيث تصبح في تقديمها لهذا الحشد تحقيقا شعريا للسمات الأسلوبية في ظواهر التنوع اللغوي والموسيقي، بحيث أن المتلقي لا يجد صعوبة في تجميع الأشتات في محور دلالي واحد، لأن فورة المشاعر ووحدة الاتجاه العاطفي نحو قسنطينة وبروز التوافق بين الموقف الشعري وأصوات التعبير، كل ذلك يصل بالتيار الغنائي إلى تحقيق إستراتيجية تناوب العناصر مع انسجامها وتعددها مع وحدتها، وقدرتها على تنظيم وحدة إيقاعية شاملة كمظهر جمالي مهيمن على جميع وحدات النص. ولذا جاءت الصور المكانية في الرواية غير مجسدة بوجودها الفيزيائي، ولكنها تشكيل يعتمد على الظلال والألوان والرموز، التي هي في الحقيقة من حفريات المكان الأصلي فتنعكس على الشخصية – تصورا وفكرا- ورؤى،بل نلمس المكان شخصية من الشخصيات تحب وتكره وتعانق، لأن هذا المكان ليس مكانا موضوعيا وإنما مكان متخيل يعيش مع الذاكرة في اليقظة والأحلام، ولذا تجسد المكان مع جانبه الاجتماعي والسياسي والأخلاقي، بل امتد الى التصاق معان أخلاقية بالإحداثيات المكانية "لأن المكان يحمل معنى وحقيقة أبعد من حقيقته الملموسة"1
وهكذا تمتلك قسنطينة إلاّ اسم كحقيقة مجسدة أو الجسور المعلقة التي تعرف بها أما باقي الأشياء الأخرى فتأخذ سماها من سمات أهلها وساكنيها ومن تاريخها وثقافتها والحقيقة أن المكان لا يحقق وجوده الفعلي إلاّ بالأفكار والتصورات التي ترتبط به وهذا ما نجده في هذه الرواية حيث "أن المكان الذي يسكنه الشخص مرآة لطباعه، فالمكان يعكس حقيقة الشخصية ومن جانب آخر إن حياة الشخصية تفسرها طبيعة المكان الذي يرتبط بها"2
ومن هنا اكتفت أحلام مستغانمي بالخطوط والملامح العامة للمكان دون الالتفات إلى التفاصيل الدالة المجسدة في أرض الواقع إلاّ ما له صلة بالجانب الفكري أو السلوكي أو الأخلاقي الذي ينعكس على الشخصية مكونا ملامحها وسماتها وهذا ما نسميه – بحفريات المكان – التي نلمسها في شخصيات الرواية، ومنها شخصية "حياة" ولا عجب في ذلك فالمكان ينتقل عبر الكائن الإنساني إلى ملامح تميزه وتنسبه لذلك المكان، لأن ملامح قسنطينة في هذه الرواية هي ملامح حياة، كما أن المكان الذي نلمسه هنا هو مكان شاعري يعيشه الراوي بالشعور والخيال فها هو يحاور حياة التي هي صورة لهذه المدينة ككل.../كيف أقنعك أنني أصبحت عبدا لصوتك عندما يأتي على الهاتف عبدا لضحكتك، لطلتك، لحضورك الأنثوي الشهي، لتناقضك التلقائي في كل شيء وفي كل لحظة، عبدا لمدينة أصبحت أنت الذاكرة أصبحت أنت لكل شيء لمسته أو عبرته يوما.../3
1-د/سيزا أحمد قاسم، بناء الرواية، ص74.
2-نفس المرجع ص 84.
3-الرواية ص 193.
وفي هذا المقطع نلاحظ على التو قوة تفعيل وتوظيف المعطيات الحسية بأكملها مع التركيز على الجسد الأنثوي كبؤرة تجميع مكثف، تعبر من خلالها "أحلام مستغانمي" عن هذا المكان الأليف المتمثل في – قسنطينة الذاكرة- التي تتميز بتلك الجاذبية الشبيهة بالأنثى التي تغريك وتستهويك، وهذا ما جعلها تتكئ على المخيال الجسدي الأنثوي الأمر الذي يكاد يفضي إلى التطابق لديها بين حدود هذه الأنثى، وملامحها، وحدود هذه المدينة وسماتها، ومن هنا كان اختيار الإطار التصويري بتركيز البؤرة التعبيرية على مساحة خاصة من هذا الجسد الأنثوي المتمثل في شخصية حياة، والذي هو امتداد لملامح هذه المدينة، وعندئذ يلعب المكان دورا هاما في درجة الصبغة الحسية.
ونظرا لاحتضان بعض العناصر الرومانسية الغنائية أدخلت الكتابة في الإطار المكاني عناصر متنوعة تخفف من درجة التكثيف الحسي على أساس أن التعدد يؤدي إلى التشتت.../ لكل شيء لمسته أو عبرته يوما.../ أي جميع ملامح المكان القسنطيني المرتبط بذاكرته مجسد في هذا الحضور الأنثوي الشهي وهذا ما نلمسه في المقطع التالي:
.../دعيني أتزود منك لسنوات الصقيع والخيبة، دعيني أخبئ رأسي في عنقك أختبئ طفلا حزينا في حضنك...
دعيني أسرق من العمر الهارب لحظة واحدة، وأحلم أن كل هذه المساحات المحرقة...لي...فاحرقيني عشقا قسنطينة.
شهية شفتاك، كانتا كحبات توت نضجت على مهل، عبق جسدك كان كشجرة ياسمين تفتحت على عجل. جائع أنا إليك...عمر من الظمأ والانتظار عمر من العقد والحواجز والتناقضات عمر من الرغبة ومن الخجل، من القيم الموروثة ومن الرغبات المكبوتة، عمر من الارتباك والنفاق على شفتيك رحت ألملم شتات عمري. في قبلة منك، اجتمعت كل أضدادي وتناقضاتي، على شفتيك ولدت ومت.../1
من الواضح "أن المكانية في الأدب هي الصورة الفنية التي تذكرنا أو تبعث فينا ذكريات بيت الطفولة"2، وبيت الطفولة هو المكان الأليف الذي يحمل معاني الألفة، ونشعر فيه بتلك الجاذبية القوية والرغبة الملحة والشعور بالحماية والدفء، وذلك "لأنه يكثف الوجود في حدود تتسم بالحماية"3 هذه الحماية وهذا الدفء الذي نلمسه في هذه العبارة../ دعيني أخبئ رأسي في عنقك أختبئ طفلا حزينا في حضنك.../ وأول ما نلاحظه في هذا المقطع أن الوطن كان يرخي ظلاله الوارفة على الوعي القصصي، كما كان يحضر في النص كفعل ملحمي تارة، وكلوحة رومانسية تارة أخرى، بل تصاعد المكان ليوظف كشخصية روائية متميزة ودالة وهي – قسنطينة – المتقمصة شخصية المرأة الحبيبة التي تمثل الهوية المكانية المركزية التي تستقطب ما حولها وتشع على ما حولها.
الأمر الذي جعل الرواية تسرد بضمير المتكلم المباشر الدال على الراوي الذي يخاطب –الشخصية الثانية- يعززه الحضور الجلي للمكان المتشبث بالذاكرة.
1-الروابة ص 195.
2-جاستون باشلار، جماليات المكان، ص7.
3-نفس المرجع ص 37.
جاستون باشلار، جماليات المكان، ص112
نفس المرجع، ص 113.
خالد حسين حسين، مخطوط رسالة ماجستير، المكان في الرواية، ص 49.
ادوارد سعد، الاختلاق، الذاكرة، المكان، ترجمة رشاد عبد القادر، مجلة الآداب الأجنبية، اتحاد الكتاب العرب بدمشق، ع 104، ص 5.
المرجع السابق، ص6