قراءة في النقد الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية

د. رشيد بن مالك جامعة تلمسان
مقدمة منهجية:
نسعى في هذه الدراسة إلى تقديم قراءة معقمة للنقد الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية ورصد توجهاته العامة وحصر النتائج العلمية المنجزة في هذا المجال بالنظر إلى ما حققه النقد الجزائري المكتوب باللغة العربية تبدو الموازنة بين الممارستين، وإن كان يتصورها البعض مستحيلة لاعتبارات إيديولوجية ما انفكت تغذي الصراع المألوف بين المعرب والفرانكفوني، فإنها ضرورية وهامة جدا لأنها ستفضي لا محالة إلى تقريب وجهات النظر وتحديد نقاط التلاقي في الرؤية النقدية وإعداد إستراتيجية لتحقيق تواصل علمي تكون غايته النظر عن كثب في الإنجازات النقدية الجزائرية والكشف عن السبل لإرساء قواعد تبادل علمي لا ينظر فيه أصحابه إلى اللغة بوصفها غاية في حد ذاتها بل أداة تواصلية تستمد قوتها من الطروحات العلمية المؤسسة. ولتحقيق هذه البغية المعرفية، سلطنا الأضواء على مجموعة من الممارسات النقدية المتنوعة. بدأت بتقديم قراءة للإنتاج النقدي الجزائري الجديد المكتوب باللغة العربية من بداية الثمانينيات إلى يومنا هذا، ويتوزع هذا النتاج على النحو الآتي:
- النقد الجديد من خلال:
أ. الكتب المطبوعة في المرحلة المحددة سلفا.
ب. الرسائل الجامعية المناقشة (الماجستير والدكتوراه)
ج. البحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية العربية المتخصصة.
د. الترجمة.
هذا وقد تحدثنا بشكل مقتضب عن اهتمامات المعربين بالرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية، وأدرجنا في ثنايا البحث أيضا إشارة إلى الدعوات الموجهة إلى الأساتذة المعربين لمناقشة رسائل ماجستير في أقسام اللغة الفرنسية. وقد التزمت بالخطة نفسها بخصوص النقد الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية.
لقد راودتني هذه الفكرة منذ زمن طويل وتحديدا في بداية الثمانينيات(1981-1982) عندما كنت أختلف مع مجموعة من الباحثين المعربين بوطاجين سعيد، صحراوي إبراهيم، حسين خمري، بن كراد سعيد إلى الدروس التي كان يلقيها مجموعة من الباحثين أ.ج. غريماس، جوزيف كورتيس، جيرار جينات، توما بافيل، كلود بريمو وآخرين. وأول سؤال تبادر إلى ذهني في تلك الحقبة يتعلق بتخلف الوجوه النقدية الفرونكوفونية الجزائرية عن النقاشات العلمية الواسعة والمعمقة والحادة الدائرة بين هؤلاء الباحثين والتي كانت تشكل المنعطف التاريخي الحاسم بخصوص الاستراتيجيات البحثية الواجب تبنيها في الاقتراب المنهجي من النصوص السردية، فتعددت زوايا النظر في الاقتراب منها واختلف أصحابها في الطرح. لم أفكر على الإطلاق في صياغة إجابة مناسبة على السؤال. وبعد مضي ردح من الزمن. لم أفكر على الإطلاق في صياغة إجابة مناسبة على السؤال. وبعد مضي ردح من الزمن، عدت إليه من جديد وأعدت طرح السؤال على الصديقين بوزيدة عبد القادر وعبد الحميد بورايو، ولكن هذه المرة في صيغة جديدة تأتي في الامتداد الطبيعي للأولى وتخص تقويم الحركة النقدية الفرونكوفونية في الجزائر، فاستحسنا الفكرة وشجعاني على البحث فيها بعد أن تحدثنا طويلا عن المشهد النقدي في الجزائر بصفة عامة وكيف استطاع أن يحقق النقد الجزائري المكتوب باللغة العربية قفزة نوعية يقف وراءها التكوين الذي تلقاه المعربون بباريس. وقد ارتهنت هذه القفزة في وجودها إلى الحوار الجاد والمعمق والنزيه والصريح الذي كان يجري بدون مجاملات في تلمسان والعاصمة وكلما تهيأت الظروف لذلك. إن المشروع النقدي الجديد في الجزائر الذي لا يزال في طور التأسيس ارتكز أساسا على النقاشات الواسعة التي كانت تجري في الملتقيات ولازالت تعبير منبرا للتعبير الحر عن الأفكار المؤسسة في مختلف القضايا النقدية. ويعتبر ملتقى علم النص الذي كانت تنظمه جامعة الجزائر تحت رئاسة الأستاذ عبد القادر بوزيدة من أهم الملتقيات العلمية في الجزائر التي استطاعت أن تؤسس لتقاليد علمية جديرة بأن تحتذى في مختلف الجامعات الجزائرية. ولئن كانت هذه التظاهرات حدثا متميزا في مسار النقد الجزائري الجديد، فإن البحوث المطبوعة التي لا تقل شأنا بخصوص دعم حركتنا النقدية الناشئة، استطاعت في مرحلة وجيزة أن تشكل نموذجا للدراسات الجادة وتراكمات معرفية منسجمة بدأت بالبحث المتميز الذي أنجزه عبد الحميد بورايو والموسوم بـالقصص الشعبي بمنطقة بسكرة، وتلت هذا البحث بحوث أخرى نكتفي بذكر بعضها:
- السعيد بوطاجين، الاشتغال العاملي، دراسة سيميائية، "غدا يوم جديد لابن هدوقة عينة، منشورات الاختلاف، الجزائر، 2000.
- رشيد بن مالك، مقدمة في السيميائية السردية، القصبة، الجزائر، 2000.
إن قراءة سريعة في هذه المؤلفات تجعلنا ندرك إدراكا تاما أن المشروع النقدي الجديد حقق الانسجام الفكري في الرؤية العلمية في مدة زمنية قياسية ما لم يحققه النقد الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية. وهذا على الرغم من وجود ظروف صعبة يستحيل العمل فيها. فالناقد المعرب استطاع في ظرف وجيز أن يتعلم اللغة الفرنسية ويتقن استعمالها ويناقش بها في اللجان العلمية وسفهم ويترجم حمولتها إلى اللغة العربية ويستوعب التفاصيل الدقيقة بين هذا المصطلح أو ذاك ويتصدى إلى أهم النظريات التي اعترف الباحثون الفرنسيون بتعقيداتها. فظهرت ترجمات عديدة للدراسات السيميائية الراهنة وبحوث جماعية ودراسات أكاديمية تطبيقية على النصوص السردية قام بها طلبة أقسام اللغة العربية وآدابها، فانتعش البحث وأضحى طالب الأدب العربي يفكر ولا يستسيغ النقود التي لا تحتكم إلى الحجة والبرهان. ومن جهة أخرى، انتعش البحث أيضا في أقسام اللغة الفرنسية وهذا بفضل أساتذة معربين قدموا محاضرات على طلبتها وأشرفوا (على) وناقشوا بحوثا متميزة يكفي أن نذكر في هذا المقام الرسالتين المتميزتين اللتين أشرف عليهما صديقنا الباحث دراري عبد الرزاق في قسم اللغة الفرنسية بجامعة مولود معمري والموسومتين بـ:ضأضحى طالب الأدب العربي يفكر
- Orientalisme et sexualité dans La nuit sacrée et L'enfant de sable de Tahar Benjelloun. Etude sémiotique et sémantique.
- Crise de valeur et pratique sémiotique dans La femme adultère d'A. Camus.
ومن الواضح أن الاهتمام بالمناهج الحداثية في النقد الجزائري عموما ظهر من خلال اللغة العربية في وقت مبكر جدا وكان مواكبا يجري في الفكر النقدي الغربي. في هذه الحقبة كان النقاد الفرونكوفونيون منهمكون في مسائل أخرى لا تخرج عن الأطر التقليدية للنقد. نستثني من ذلك الدراسة الجماعية المهمة حول "مدخل إلى السيميولوجيا (نص- صورة) نلقى في هذه المرحلة أيضا دراسة في البحوث العربية المعاصرة تعني بترجمة نص لغريماس أو كورتيس وتتصدى للنظرية السيميائية بالتمثل والترجمة المتأنية، البطيئة والمسؤولة.
بدأ الأستاذ عبد الحميد بورايو يترجم هذه النصوص في نهاية السبعينات وهي المرحلة التي بدأت تظهر فيها الإرهاصات الأولى للبحث السيميائي في العالم العربي. إن الباحث في تلك المرحلة لقي صعوبات جمة في التعامل مع البحوث السيميائية في أصولها لعل أهمها يتمثل في فهمها وتمثلها وضبط مقاصدها العلمية وتحديد حقولها وترجمة مصطلحيتها. وحتى المهتمين بها ينحصرون في مجموعات محدودات جدا. وتجدهم يبحثون وهم فاقدون الأمل في إمكانية نشر هذه البحوث. ظروف صعبة جدا: مؤسسات علمية رافضة لهذا التوجه، مجلات يقصى منها كل ما له علاقة بالبحث الجاد. لقاءات علمية تجد كل شيء ماعدا الحوار العلمي المؤسس المنضوي تحت مشروع يهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المسطرة سلفا. ثم إن الملتقيات المنظمة خلال هذه الحقبة كثيرا ما كانت تتسم بطابع عام تغلب عليه الأحكام القيمة ولا تفي بالغرض العلمي المنشود ويعمل المشرفون عليها على إحباط كل محاولة جادة. إن رغبة الباحث الحادة في نقل المعرفة إلى اللغة العربية يحركها وعي عميق بضرورة الخروج من النفق المظلم الذي وضع فيه النقد الأكاديمي في الجامعة الجزائرية. بهذه الرغبة المشروعة بدأ يترجم. ولم يكتب لهذه البحوث أن تطبع في الثمانينيات للمقاومة الشديدة الشرسة التي لقيها البحث السيميائي في الجامعة الجزائرية ولأنه لم يكن يفكر في نشرها، كان يبحث في صمت ومقتنع سلفا بأن المناخ العلمي غير مهيأ لتلقي هذه النصوص التي تعمل على تحريض الفكر، ومقاومة الراحة التي تركن إليها النفس في الغالب. إن هذه المرحلة الطويلة بحلوها ومرها التي قضيناها معا جعلتني أدرك إدراكا تاما أن المسار الطويل الذي قطع هذا الباحث شوطا كبيرا منه يندرج ضمن مشروع عام وشامل يهدف في المقام الأول إلى إقناع الهيئات المشرفة على التربية والتعليم في الجزائر بضرورة إعادة النظر في المنظومة التربوية بإدماج بعض المواد العلمية في الشعبة الأدبية والعمل على تكوين تلميذ يفكر واستغلال طاقته الفكرية. ويسعى في المقام الثاني إلى تحريك مكامن العقل عند الطالب بإثارة انتباهه إلى أن الممارسة الفكرية أساسية في فهم الموضوعات الثقافية بوصفها موضوعا للبحث والدرس والتحليل ولا فرق بينها وبين تلك المعتادة في العلوم الأخرى. إن أهمية الممارسة في أي حقل معرفي تكمن في البرهان المؤسس والمبني. ويهدف في المقام الثالث إلى تقديم بديل علمي لما ألفه القارئ في الدراسة النقدية وهو بديل يستمد أهميته من التفكير الجاد في الأطر النظرية المرنة الكفيلة بفض الإشكالات التي يطرحها النص السردي بخاصة والتجليات اللسانية وغير اللسانية بعامة.
لتحقيق هذه البغية العلمية، اختار الباحث ترجمة ثلاثة نصوص. إن النص الأول الذي اختاره الباحث عمل مشترك للباحثين أ.ج.غريماس وف.راستي. تتقصى هذه الدراسة "حركية القيود السيميائية"، وتعمل على إبراز المسار الذي يحتكم إليه العقل البشري لبناء الموضوعات الثقافية. وهو مسار ينطلق من العناصر البسيطة ليجري مجرى معقدا خاضعا في ذات الوقت للقيود والخيارات ويقود من المحايثة إلى التجلي مرورا بثلاث مراحل أساسية.
أولها: البنيات العميقة التي تحدد شروط وجود الموضوعات السيميائية.
ثانيها: البنيات السطحية التي تعمل على تنظيم وتجلية المضامين الممكنة في أشكال خطابية.
ثالثها: بنيات التجلي التي تنتج وتنظم الدوال.
من الواضح أن الدراسة التي أقدم على ترجمتها الباحث بورايو تقصر مجال اهتمامها على المرحلة الأولى المتمثلة في البنيات العميقة. إن الاقتراحات المنهجية التي ارتكز عليها البحث مستوحاة أصلا من النموذج الذي قدمه غريماس في كتابة الدلالية البنيوي Sémantique structurale (Larousse, 1966). بلقى فحص بنية هذا النموذج تطبيقاته في مجالات متنوعة، ويقود الباحثين إلى إبراز صيغ تمظهر الدلالة، من جهة، ويبرر، من جهة ثانية، وجود كيانات دلالية خصوصية، ويحدد من جهة ثالثة شروط تجليات الدلالة، وارتهان عنصر البنية السيميائية في وجوده إلى العلاقات الفصلية والوصلية، وكيف تتحقق النقلة من البنيات العميقة إلى البنيات السطحية. وإذا كانت هذه الدراسة ترسي القواعد الأساسية في البحث السيميائي، فإنها تغذي بشكل واضح الأسس النظرية للدراسة الثانية المأخوذة من كتاب لـ جوزيف كورتيس والتي تؤسس للمشروع السيميائي في شموليته بدء من تحديد موضوع البحث ومستويات المقاربة السيميائية. إنه يؤكد في البداية أن السيميائية أشمل من أن تعنى بوصف التبليغ الذي يصعب تحديد نظامه والمستوى الذي نضع فيه قصديته ومقاييس التعرف على وجوده. ولئن كانت هذه المقاربة لا تقصي التوجهات المنهجية الأخرى فإنها تتكامل معها وتستقل بنفسها في ذات الوقت من حيث خصوصية موضوع البحث من ناحية والمفاهيم الجديدة التي أضحت تضطلع بها، من ناحية ثانية، المصطلحية المعتمدة في الدرس السيميائي المعاصر.
من هذه المنطلقات المنهجية، يرصد ج.كورتيس الإشكالية البحثية في النظرية السيميائية ويقدم الحلول ضمن أطر منهجية تأتي في الامتداد الطبيعي لما سطره أ.ج.غريماس في الدلالية البنيوية.
أما النص الأخير، فإنه للباحث دانيال بات Daniel Patte الذي يعرض فيه لمسألة دقيقة جدا في النظرية السيميائية تمس المربع السيميائي والمكون السردي وذلك في سبيل الكشف عن العلاقة القائمة بين التجلي السردي السطحي والدلالية الأساسية Sémantique fondamentale من منطلقات منهجية متضمنة في بحث موسوم "بنية الأسطورة " للباحث كلود لفي ستروس معدلا في ذلك اقتراحاته النظرية. ولئن كان غريماس يميز في صلب النموذج المسار التوليدي بين البنيات السيميو سردية والبنيات الخطابية، فإن دانيال بات يسعى إلى إعداد نموذج يقصره على البنيات السيميو سردية بصرف النظر عن البنيات الخطابية وبهدف الكشف عن الإمكانات التطبيقية التي يتيحها المربع السيميائي على الصعيد السردي.
إن هذا المخطوط الذي لم يكتب له النشر، تلته بحوث أخرى.
2- قراءة في النقد الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية
وقد وقع الاحتكاك بين المعربين والفرونكوفونيين لأول مرة في تاريخ البحث الجزائري. وانتعش النقد أيضا بالبحوث التي كتبها معربون في اللغة الفرنسية. يكفي أن نذكر في هذا المقام كتاب الباحث عبد الحميد بورايو والموسوم بـ Les contes populaires algériens d'expression arabe. وقد جاء هذا البحث ليسد فراغا في الممارسة النقدية المكتوبة باللغة الفرنسية وليشكل حلقة كانت مفقودة في هذا الدراسات وقياسا لما أنجز. يكفي أن نلقي نظرة في الدراسة الموسومة بـ
Christiane Achour, Simone Rezzoug, Convergences critiques/ Introduction à la lecture du littéraire, OPU, Alger? 1990.
لنتأكد، على نحو ما سنبين ذلك، من أهميته. قبل أن نعرض لدراسة هذا الكتاب بشيء التفصيل نلاحظ أن الباحثتين (كريستيان عاشور وسيمون رزوق) أشارتا إلى أن هذا العمل مخصص للطلبة الذين يحضرون مقاييس في اللغة الفرنسية. كما أن يستفيد الأساتذة من هذا الإنجاز في جانبه النظري. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الباحثتان، فإن الفصول المقترحة للقراءة متضاربة في مضامينها نظرا لوجود اختلافات جوهرية للتيارات التي تقف وراء المناهج المقترحة على الطالب. تبدأ هذه الفصول بسؤال حول فعل القراءة المعتبر ثقافيا بامتياز والذي تعد فيه الوضعية السوسيو ثقافية ضرورية لفهم مكانة ووظيفة النصوص. وينتهي البحث يفصل موسوم بالسوسيو نقد. ويتخلل هذين الفصلين الفصول الآتية وقد جاءت على النحو التالي:
- تاريخ و/ أو نظرية الأدب
- التاريخ/ الأدب- بعض المفاهيم
- التحليل الداخلي للنص
انطلاقا من المضامين المقترحة، فإن هذا التوزيع لا يستقيم منهجيا ذلك أن التحليل الداخلي للنص يستدعي مجموعة من النقاط المعلمية نستطيع من خلالها موضعة هذا التيار النقدي أو ذاك الذي يأتي في الامتداد الطبيعي للنظريات النقدية التي اتخذت النص موضوعا لدراستها. تأسيسا على هذا، فإن بحوث الشكلانيين الروس قامت أساسا على دراسة "البنيات السردية والأسلوبية والإيقاعية دون أن يتم في ذلك إقصاء التطور الأدبي والعلاقة بين الأدب والمجتمع". وتتحدد رؤيتهم المنهجية على لسان رومان جاكويسون في المقولة الآتية: "إن هدف علم الأدب ليس الأدب(...) وإنما أدبيته، ونعني بذلك العناصر المحددة التي تجعل عملا أدبيا". وإذا كانت هذه المسائل النظرية لا تمس التطور الأدبي l'évolution littéraire، فإنها تظل منسجمة والدراسة الداخلية للنص التي كانت إلى ذلك العهد تشكل مرحلة حاسمة في حياة النقد الجديد بأوروبا. وفي الاتجاه نفسه، تدرج الباحثتان الثنائية السوسيرية دال/مدلول في إطار ما سماه تينيانوف Tynianov التطور الأدبي. إن إدراج السوسيرية في سياق الحديث عن الشكلانية وفي هذا الموضع تضليل للقارئ وتلفيق منهجي ينسف ما هو متداول في الدوائر النقدية "إن الشكلانية كانت بشكل موسع محصلة ونتيجة للسوسيرية. لا توجد عند سوسير "شكلانية ضعيفة"، بل شكلانية سابقة تجسد لحظة ترقب للشكلانية وتفكير مهيأ لتسير (...) صياغة الحسابات اللسانية الحقيقية (هذا ما يقره ر. ماكر في هذا المؤلف المفصل للغاية". إن الحديث عن الدليل اللساني من المنظور السوسيري يقود الباحث إلى إقصاء المرجع من الاهتمامات اللسانية. وعليه فإن الممارسة اللسانية ترتهن في وجودها إلى هذا الإقصاء.
بعد تقديم هذه الملاحظات ننتقل الآن إلى الدراسة الداخلية للنص على النحو الذي قدمته الباحثتان في هذا المؤلف. نلقي في هذا الفصل دراسة مستفيضة لنظريات نقدية قدمت وكأن الواحدة منها امتداد للأخرى دون أن تعقد أهمية في ذلك إلى الفروقات الجوهرية بين هذا التيار أو ذاك ولا إلى طبيعة الإشكاليات المطروحة. وفي كل مرة يصطدم القارئ بعناوين لا تلقى ما يبررها فيما سبق ولا فيما سيلحق. نقيد هذه الملاحظة بخصوص الحديث عن نقل المقاربة التقليدية للشخصية من الكينونة إلى الفعل وما تفترضه من أدوات إجرائية مربوطة بالآليات التي تمت بواسطتها نقل زاوية النظر التي تستدعي تركيز الاهتمام على دراسة أفعال الشخصيات. من هذه المنظور افتقدت هذه الدراسة إلى المرجعية اللسانية لـ ل. تينيير Lucien Tesnière في كتابه الموسوم بـ Eléments de syntaxe structurale والمتمثلة في الأهمية التي عقدها للفعل في "بنية الجملة البسيطة" بوصفة علاقة بين العوامل. حد العوامل الكائنات والأشياء التي تسهم في الحدث بأية صفة كانت وحتى بوصفها ممثلا صامتا ولو بشكل أكثر سلبية". إن ارتكاز أ.ج.غريماس وج.كورتيس على هذه المرجعية وبحوث إ.سوريو والإنجازات العلمية التي حققها بروب لاسيما تلك المتعلقة بتحديد الشخصية قادهما إلى بلورة مفهوم العامل في إطار رؤية جديدة يشكل فيها الفعل مركز الاهتمام.
وإذا دققنا النظر في هذا المبحث، فإننا نلاحظ أن الدراسة لم تتجاوز الإنجازات السيميائية التي تحققت بعد 1966، فلا نلقى أثرا لبحوث أ.ج.عريماس ولا كورتيس ولا آن إينو وحتى العرض الذي قدم حول بروب جاء ناقصا لايفي بالغرض المنشود لهذا النوع من الدراسات. في هذا الموضع بالذات، يشكل كتاب الأستاذ بورايو الذي سبقت الإشارة إليه حدثا فكريا متميزا وأول بحث في النقد الفرونكوفوني حول الحكاية الشعبية الجزائرية، وأضحى بخلفياته المنهجية المؤسسة يمثل حاقة مفقودة في دوائره العلمية وتأشيرة لولوج الفكر السيميائي المعاصر. إن قارئ هذا الكتاب لا يلقى مشقة لتلتقي مضامينه العلمية التي تمثل مدخلا مهما لفهم بعض ما جاء في النظريات النقدية المعاصرة ومعرفة الحكاية الشعبية الجزائرية والأنظمة السوسيو ثقافية (العائلة، التراتب الاجتماعي والقيم الثقافية) التي تحتكم غليها. يتضمن هذا البحث قسمين. خصص القسم الأول للوسط الاجتماعي للسرد. فتحدث عن تنقل الحكايات ورواتها وروايتها في المناسبات وتلقيها. ومن الواضح أن هذا النوع من الدراسات سيعمل على تنوير القارئ في اللغة الفرنسية بقضايا غير مألوفة فيما قرأه من نقود فرنسية وستثير مكامنه النقدية في هذا المجال الذي يجسد نقطة تلاقي وحوار في النقد الجزائري. أما القسم الثاني، فإنه يستمد أهميته من قوته الاستفزازية للفكر وتحكمه في المناهج الحداثية التي تعني بدراسة النصوص. واستطاع أن يستثمر الإنجازات البروبية من منطلقات سيميائية. همه الوحيد في كل ذلك الإحاطة الدلالية بهذه الحكايات استنادا إلى بنيتها ووفقا لتقطيع نصي يتصدرها. بقي أن نشير إلى الباحث في معرض حديثه عن النقص، لم يولي أهمية إلى القراءة التي قدمها غريماس للمشروع البروبي، الذي يعتبر فيه الفعل أساس تعريف الوظيفة.
إن الدارس كما يرى ذلك غريماس، سيقف محتارا أمام التناقض الذي يميز الوظيفتين: فإذا كان رحيل البطل، باعتباره شكلا من أشكال النشاط الإنساني، يعد فعلا، أي وظيفة، فإن النقص( manque) لن يكون كذلك، ولا يمكن التعامل معه كوظيفة بل هو حالة تستدعي فعلا العلمية التي تقف وراءه. على أساس هذه الاعتبارات، نستطيع أن نقول إن حديث الباحثتين كريستيان عاشور وسيمون رزوق عن ف. بروب بقطع النظر عن النقود الهامة التي صاغها غريماس في مقدمة مدخل إلى السيميائية السردية والخطابية بخصوص مورفولوجية الحكاية يجعل القارئ يتصرف وكأن البحث السيميائي المتداول بين المتخصصين في الوضع الراهن لم يتعد عتبة الستينيات. إن طرح القواعد النظرية ذات التوجه السيميائي بهذا الشكل تضليل للقارئ وهو في جميع الحالات لا يحرضه على النظر والتدقيق والاستفادة من النتائج التي صاغها السيميائيون حول الإشكاليات الكبيرة بخصوص الجزئيات الدقيقة في البحث. إن الدراسة في هذا المبحث تفتقد إلى جوهر الممارسة العلمية المتمثلة في ضبط الإشكالية وتحديد موضوع الدراسة بدقة. فجاءت النظريات المبثوثة في هذا الكتاب مفصولة عن بعضها، متنافرة، ولا يحكمها خيط قائد. ويأتي المربع السيميائي المعروض في هذا الكتاب في الامتداد غير الطبيعي للمباحث الخاصة بـ:
- فواعل الحكاية،
- السرد الفضاء، الوصف،
- الزمن الروائي
ويقف وراء هذه المباحث تيارات نقدية يصعب من الناحية المنهية طرحها بهذا الشكل. من هذه المنطلقات، نلاحظ أن الحديث عن الرسم العاملي بصرف النظر عن الإحاطة بالبنية السردية والبرامج المنضوية تحتها والجهات التي تحكم العوامل والمسخرة لتحقيق الإنجاز يعني بكل بساطة إفراغ السيميائية من محتواها ونسف لمبررات وجودها. نضيف إلى هذه الملاحظة إقصاء المكون الخطابي من المنظور السيميائي والتعامل مع المربع السيميائي بشكل آلي لا يسمح من الاقتراب من الدورة الدلالية للنص السردي. إن الباحثتين تعاملا مع مجموعة أنتريفيرن ونقلا منه ومن كتاب كورتيس مدخل إلى السيميائية السردية والخطابية دون أن تبدلا أدنى مجهود في التوثيق وفي الرجوع إلى الكتب المؤسسة للنظرية السيميائية.
أ: رسائل الدكتوراه
- عبد الحميد بورايو، "المسار السردي وتنظيم المحتوى. دراسة سيميائية من حكايات ألف ليلة وليلة".
- خمري حسين، نظرية النص في النقد المعاصر. مقاربة سيميائية.
- أحمد يوسف، القراءة النسقية في ضوء المقاربات البنيوية
ب- رسائل الماجستير
- زويش نبيلة، قصة الطوفان في ملحمة قلقامش، دراسة سيميائية.
- مدلفاف سليمة، تحليل الخطاب القصصي في القرآن.
- بوطاجين سعيد، "غدا يوم جديد". دراسة بنيوية.
- طيب دبه، التجليات السيميائية عند أبي حيان التوحيدي.
Dalila Morsli, François Chevaldonne, Marc Buffat, Jean Mottet, Introduction à La sémiologie (Texte- Image), O.P.U, Alger, (S.D)
- نذكر:
ترجمة كتاب مجموعة أنتروفارن Groupe d'Entrevernes/ Analyse sémiotique des textes التي قامت بها الباحثة جرير حبيبة في رسالة ماجستير تحت إشراف الأستاذ عبد الحميد بورايو والتي نوقشت بالمدرسة العليا للأساتذة في الآداب والعلوم الإنسانية/بوزريعة.
- رشيد بن مالك، السيميائية/أصوها وقواعدها، منشورات الاختلاف، الجزائر، 2000.
- السيميائية/ مدرسة باريس، تقديم جان كلود كوكي، دار الغرب للنشر والتوزيع، مخطوط قيد الطبع
- تاريخ السيميائية، آن إينو، ترجمة رشيد بن مالك، تقديم آن إينو، مراجعة عبد القادر بوزيدة، عبد الحميد بورايو، مخطوط قيد الطبع.
. Oswald Ducrot/ Tzvetan Todorov, Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, Seuil, collection Points, Paris, 1972, P.110.
. R. Jakobson, Questions de poétique de poétique, Seuil, Paris, 1973, p.15
. Anne Hénault, Histoire de la sémiotique, P.U.F, Paris, 1992.
. A.J. Greimas, J. Courtés, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, HU, Paris, 1979, p.350
. Lucien Tesnière, Eléments de syntaxe structurale, Klincksieck, Paris? 1928? p103.
.E.Souriau, Les deux cents mille situations dramatiques, Flammarion, Paris, 1950.
. Vladimir Propp, Morphologie du conte, Points, Seuil, Paris, 1970.
- سعيد بنكراد، مدخل إلى السيميائيات السردية، دار تينمل للطباعة والنشر، مراكش، 1994.
- A.J.Greimas, Les acquis et les projets in J.Courtés, introduction à la sémiotique narrative et discursive, H.U. Paris, 1976, P.7-8.