زهور الأزمنة المتوحشة لجيلالي خلاص والخطابات المرجعية

د. عبد الحميد بورايو ، جامعة الجزائر
يحيل كل خطاب إلى خطاب قيل قبله، وتحيل " زهور الأزمنة المتوحشة " (1) إلى مجموعة خطابات سابقة نجدها حاضرة فيها ، نميز من بين أهمها:
- الخطاب التاريخي.
د. عبد الحميد بورايو ، جامعة الجزائر
يحيل كل خطاب إلى خطاب قيل قبله، وتحيل " زهور الأزمنة المتوحشة " (1) إلى مجموعة خطابات سابقة نجدها حاضرة فيها ، نميز من بين أهمها:
- الخطاب التاريخي.
- اللهجة الاجتماعية.
- الخطاب التعليمي.
الخطاب التاريخي:
يبدو واضحا في القصة المعروضة، وفي الخطاب الذي يعرضها اثر ما هو متداول من تاريخ الحركة السياسية الوطنية في فترة مابين الحربين العالميتين، ويتمثل هذا التاريخ في تأسيس وتطور حزب الشعب الجزائري ومبادئه القومية وأفكاره الاستقلالية وموقفه من السلطة الاستعمارية افرنسية، وطبيعة الشرائح الاجتماعية التي انظمت إليه.
اللهجة الاجتماعية ك يتذكر باختين بأنه (( في الرواية الأصلية، نحس خلف كل ملفوظ بطبيعة اللهجات الاجتماعية ومنطقها ... فصورة تعبير ما في الرواية ما هو سوى أفق اجتماعي وأدلوجة اجتماعية ملتحمة بخطابها، وبلغتها )) (2) تعكس رواية زهور الأزمنة المتوحشة عددا من اللهجات الاجتماعية التي كانت تشكل لغة المجتمع الجزائري في هذه الفترة، وقد تمثلت في: لهجة الشريحة الوطنية الاجتماعية ذات الانتماء المزدوج: الفلاحون ذوو الملكيات الكبيرة والعمال الزراعيون، ثم المعمرون الفرنسيون، والنخبة الاجتماعية التي كانت تسير في فلك الاستعمار. لم تقتصر الرواية على تقديم العبارات اللهجية، بل قدمت من خلالها منطق التفكير الذي يحكم المتكلمين بها.
الخطاب العلمي:
تلجأ رواية زهور الأزمنة المتوحشة إلى مجموعة من الوسائل التقنية التعليمية، فهي تتحين الفرص لتثبت معلومات تاريخية تمثل سندا لمضمون الرواية وأطروحاتها، كما أنها تقدم معلومات نجدها في كتب التاريخ الحديث الجزائري، إلى جانب أنها كثيرا ما تلجأ لشرح العبارات بين قوسين، وهو شرح يتعلق أساسا بالجمل التي تقولها شخصيات الرواية بالعامية الجزائرية .. وتبدو الروح التلقينية واضحة من خلال " الراوي " المجرد الذي ينقل وقائع الرواية للقارئ.
من خلال مثل هذه التناصات أو التداخلات النصية يمكن القول إذن بأن الأسلوب الروائي في " زهور الأزمنة الموحشة " يمثل باث الرواية والجماعة الاجتماعية التي ينتمي إليها، والتي يمكن تحديدها بالنخبة الوطنية ذات الثقافة العربية الإسلامية والتي ترجع أصولها إلى الوسط الريفي المشكل من الفلاحين الصغار وعمال الزراعة .. تبدو العلاقة الحوارية الحوارية بين هذا الموقف والموقف المناقض المتمثل في اللهجة الإستعارية التي يمثلها كلام المعمرين وممثلي السلطة الاستعمارية وأذنابها من بين أفراد النخبة البرجوازية الجزائرية، وقد مثل هذا التناقض خلفية الصراع السياسي الذي حاولت أن تبرزه الرواية.
نلاحظ بأن هذه الحوارية ظهرت في الرواية ضامرة بسبب توجه هذه الأخيرة إلى تمثيل صوت الكاتب الوحيد والواحدي، والذي حمله الراوي المجرد بحيث تم تغليب وجهة نظر النخبة الوطنية الاستقلالية ذات التوجه القومي ( العربي الإسلامي ) على وجهات النظر الأخرى التي تم عرضها باقتضاب وبشيء من التشويه والاختزال باعتبارها مكونا من مكونات الجو الدرامي الذي تصنعه الرواية.
يقودنا هذا الأمر إلى طرح مسائل تتعلق بطبيعة التبئير في رواية " زهور الأزمنة الموحشة " لجيلالي خلاص. فالرواية تعتمد في صياغتها على تسلسط الضوء على شخصية شبه مركزية هي " الحاج قويدر بن سوكة "، غير أنها لا تخلو من إبراز أصوات أخرى تدور في فلكه، ولكن لها استقلالها الذاتي نسبيا ، مثل صوت ابنته فاطمة وولده عبد الله وزوجته بنت بن صفية، والراعية أم الخير، والعامل الزراعي سليمان الخ...
زاوجت الرواية إذن بين شكلين من أشكال التبئير: تبئير خارجي وتبئير داخلي. لجأت إلى الشكل الاول من التبئير لما تركت الشخصيات تحاور فيما بينها وتنقل مواقفها ومواجدها بشيء من الحرية. في هذه الحالة يضيق السارد المجرد من حقل رؤيته حتى لا يكاد يختفي، ليترك الحرية للشخصيات للتحاور، وتبدي رأيها، إلى جانب ذلك اعتمدت الرواية التبئير الداخلي الذي يتمثل في نقل وجهات نظر شخصيات معينة عن طريق التركيز على وعيها الذاتي، ونخص بالذكر هنا شخصية " الحاج قدور بن سوكة " الذي حرصت الرواية على أن تقدم موقفه من الأحداث وعلى أن تجعله هو المحرك الأساسي لها والموجه لحركيتها، ونعثر خلال ذلك على تعليقات تنبه للظهور الدائم للسارد كمؤطر لهذه الشخصية وموجه لمسارها.
وقد أخذ السارد موقعا متباينا حكائيا، فهو حاضر كمنظم للسرد عالم بكل شيء، متتبعا لحركات الشخصيات جميعا ، لكنه غير مشارك في القصة. ترك هذا السارد المتباين حكائيا heterodiegetique المجال في قليل من الأحيان لبعض الشخصيات لتأخذ وظيفة السارد المتماثل حكائيا homodiegetique (3) ، غير أن ذلك كان في حدود ضيقة جدا.
زمن السرد في الرواية:
توهمنا رواية " زهور الأزمنة الموحشة " بتزامن السرد وأحداث القصة، مع وجود بعض الاسترجاعات كأحداث رحلة " الحاج قدور بن سوكة " الى الحج و مشاركته في أحداث ثورة الشيخ الحسيني بفلسطين، وتلجأ إلى السرد اللاحق لما يتم إشعار القارئ بأن بعض الأحداث مضت ولا بد من روايتها لأنها تمثل خلفية لما يحصل ويجري من وقائع.
وضعية السارد ووظيفته:
تسند الرواية التي بين أيدينا بصفة أساسية على سارد خارج حكائي ومتباينا حكائيا، فهو غائب عن أحداث الرواية كشخصية، فهو يسرده خاصة في الأقسام الأولى، وسمح شيئا ما في الأقسام النهائية بتدخل بعض شخصياته لسرد عدد قليل من الأحداث. يعتمد السرد على ضمير الغائب، ويظهر السارد خارج الأحداث كمنظم لها ومتتبع لوقائعها ومقدم لدواخل الشخصيات ووعيها من منظوره الخاص.
يمنح السارد لنفسه قدرات مهمة فنجده يخترق الشخصيات، يقدم مظهرها الخارجي ومشاعرها ويعلق عليها وينسج محيطها. وقد جاءت هذه الوضعية مدعمة لما يميز هذه الرواية من علاقة واضحة بالتاريخ والاديولوجية الوطنية في مرحلة التشكل السياسي. لقد تكفل السارد في هذه الرواية بالوظيفة الايديولوجية من خلال اختباره للشخصيات وانتصاره لأحد طرفي النزاع، واستغلاله لغرض " الحب " باعتباره موضوعا إنسانيا يمثل عامل تحول في العلاقات مابين أفراد الجماعة في اتجاه الوحدة الوطنية المناهضة للإستعمار ولمصالحه ومصالح النخبة المرتبطة به.
تثير رواية زهور الأزمنة المتوحشة عددا من الإشكاليات:
- طبيعة علاقتها بالمجتمع الجزائري.
- طبيعة علاقتها بالإيديولوجية الوطنية.
- طبيعة علاقتها بتيارات الإيديولوجية الوطنية ن فهي تنتصر لحزب الشعب العربية الإسلامية، والتي تمثل نقطة اللقاء والتقاطع مابين هذا الحرب وجمعية العلماء المسلمين.
- صدورها في فترة زمنية تعرضت فيها الإيديولوجية الوطنية الموروثة عن فترة التشكل السياسي للفكر الوطني الحديث والصراع مع الاستعمار لهزة عنيفة من طرف الأصولية الإسلامية المتطرفة.
- طبيعة لغتها المزدوجة المقدمة على العربية التعليمية المبسطة وبعض العبارات الدارجة المستخدمة خاصة في حوار الشخصيات.
- أسلوبها الرومنسي المتبدي من خلال المشاهد ورسم المناظر الطبيعية، وتقديم الشخصيات، واختيار الموضوع وترديد الإيكليشيهات الوصفية.
- تمثيل التاريخ بعد فترة زمنية معتبرة من خلال وجهة نظر تنتمي لعهد جديد ورؤى متطورة تتعلق بصور مشروع الدولة الوطنية وميرورته عبر التاريخ الحديث للجزائر.
الجزائر أكتوبر 2000
الــهامـــش:
(1) زهور الأزمنة المتوحشة، جيلالي خلاص، دار هوم ، الجزائر 1998.
(2) Mikhail bakhtine .le principe dialogique traduction
française.
Tzvetan todorov . le seuil . 1988.p.98.
(3) الرواية ص 50