القصة القصيرة عند عبد الحميد بن هدوقة " قراءة موضوعاتية"

الدكتور عمر عيلان من كلية الآداب واللغات بجامعة قسنطينة
الدكتور عمر عيلان من كلية الآداب واللغات بجامعة قسنطينة
يعد النقد الموضوعاتي- أو "الثيماتي"- من المحاور التي عرفت توجها جديدا في سياق تطوير آليات الدراسة النقدية في مجال البحث الأدبي. ولعل التطوير الحاصل يمكن في الانتقال من مفهوم "الموضوع" والذي يقصد به تتبع "ثيمة" Sujet يتحدث عنها الكاتب في إبداعاته بصورة واعية، إلى مستوى آخر يعني بترصد شبكة الهواجس التي تشغل الحيز الكبير والمركزي لدى كاتب من الكاتب (1) وهو من هذه الناحية يتجه بصورة أساسية لنقد مستويات الأفكار المكونة لمجموعة من المقولات التي تسمح بهيكلة كل ما يشمله النص الأدبي عبر تفرعاته وتشظياته الناتجة عن استدعائه لمختلف مستويات مظاهر الحياة الاجتماعية والنفسية والفكرية لدى كاتب ما. وإذا كان النقد الموضوعاتي يستند في أسسه التحليلية إلى الفلسفة الظاهرتية فإنه لم يمهل القيم الفلسفية والاتجاهات الوجودية والنفسية ليصل إلى تشكيل مقولات تشكل القيم الحسية وأشكال الوعي بالذات والعالم نقطتها المركزية. وفي هذا السياق يذهب جان بيار ريشار jean Pierre Richard الذي يعد من أبرز منظري النقد الموضوعاتي إلى أن الدراسة الظاهراتية الموضوعاتية من خلال صياغة جملة من "المقولات" تتوزع إلى محورين أساسين هما:
1- حالات الوعي: وتشمل موضوعات مثل المعرفة، الإرادة، الانفعال، الإدراك، البعد الزمني (الذاكرة)، الخيال، والمكان.
2- مضامين الوعي: وتتمثل في ممكنات الوعي بالعالم والوعي بالآخر الخارجي (خارج الذات) كالأشياء، الأشياء، الكائنات، أو ما يسمى بالوحدات غير الإنسانية.
وتصبح من هذا المنظور مقاربة العمل الأدبي هي محاولة فهم المقصدية المركزية للنص، والمشروع المهيمن من خلال الإحساس الخالص la Sensation Pure (2). ويرى عبد الكريم حسن أن خلاصات قراءات "ريشار" تذهب إلى أن الموضوع هو وحدة من وحدات المعنى وهي وحدة مشهود لها بخصوصيتها عند كاتب ما، كما أنه مشهود لها بأنها تسمح - انطلاقا منها - وبنوع من التوسع الشبكي أو الخطي أو المنطقي أو الجدلي، بسط وتوضيح العالم الخاص بهذا الكاتب. كما أن المقاربة الموضوعاتية لا تنفي الشروط الاجتماعية والسياسية والثقافية التي ولد فيها النص غير أنه على الناقد الموضوعاتي أن لا يدرس النص من خلال تأثير العوامل الخارجية فيه، وإنما من خلال لعبة العلاقات الداخلية بين عناصره(3)
إن القراءة الموضوعاتية للنصوص الابداعية كما لاحظنا وامتدادا من الفلسفة الظاهراتية والاتجاهات النفسية والوجودية تسعى للبحث في المقولات الحسية التي تشكل قيمة أو "ثيمة" مهيمنة تتحكم بالأفق النصي وامتداده لتضمن خصوصية الإبداعي والجمالي، وانسجامه. فالموضوعات الكبرى في عمل أدبي ما هي الموضوعات التي تشكل المعمار الهندسي الذي تنبني وفقها سلسلة الأفكار والموضوعات التي تتطور بصورة متواترة ومتتالية في العمل الأدبي.
وإذا حاولنا استثمار المفاهيم العامة للنقد الموضوعاتي في قراءة القصة القصيرة عند عبد الحميد بن هدوقة مستعينين بتصنيفات "ريشار" المتعلقة بأحوال و مضامين الوعي، وما تمنحه في المستوى المنهجي لتحديد المقولات في مجال المعنى توصلنا إلى الخلاصات التالية:
إن الثيمة المهيمنة في القصص القصيرة عند بن هدوقة من خلال مجموعات "الكاتب وقصص أخرى" و"الأشعة السبعة" و"ذكريات وجراح" تتسم بطابع الصراع والمواجهة، ومحورها الأساسي هو الإنسان الذي يتفاعل حينا مع حالات الوعي وأخرى مع مضامينه، فنجد تثمينا قائما لمختلف مستويات التواصل مع الآخر في المجال السوسيولوجي والثقافي والتاريخي والسياسي. وتعمل الموضوعاتية الأساسية أو الثيمة المهيمنة على التمظهر في شكل قضايا جزئية تغطي مساحة الفعل الإنساني وتستجيب لانشغالات وهواجس الكاتب عبر أشكال تعبيرية وصيغ دالة متعددة بحيث تبدو "الموضوعاتية الأساسية والثانوية كمرسل يسمح بالغور داخل مختلف اتجاهات العالم الداخلي للعمل في انتظام حيوي ومجاميع منسجمة ومرنة يحكمها قانون التشاكل والتضاد والتحول والانفتاح والانغلاق والمباشرة والضمنية(4). كما أن الثيمة المهيمنة في قصص بن هدوقة تحولت إلى ما يمكن تسميته بــ "مقولة" تتشاكل مختلف المواقف في النصوص السردية لتنميتها، مستمدة منها مشروعيتها، وتتحول بالتالي هذه المواقف إلى "قضايا" مستمدة سواء من الواقع المعيش أو من مستوى الفكر والإحساس الخالص والرؤية الفلسفية. ومن أهم هذه "القضايا المواقف" يمكننا أن نرصد ما يأتي:
1- الأرض:
مثلث قضية الأرض جانبا أساسيا في كتابات بن هدوقة، وكانت محورا متصلا بمفهوم الحياة والبقاء ونقيضا للفقر والموت. "المشكل الأساسي في القضية هو الجوع ولكن الجوع لن يقترب منا فالحقول مسلحة بالسنابل المثمرة"(5) فمواجهة الفلاح تتخذ صورة الصراع مع الطبيعة من أجل الحياة والبقاء عن طريق العمل وخدمة الأرض، لكن شريطة أن يحس أيضا بقيمة الحرية، هذا البعد الخالص يجعله يتحمل كل المشاق دو نما تردد. "الفلاح أسكره التعب وأسكرته الغبطة بهذا التعب. إنه ليس أجيرا في هذا الحقل، فالنهار مهما طال فهو قصير مادامت السنابل قائمة أمامه والتعب مهما كان شديدا يهون مادام أنه ليس أجيرا في هذا الحقل".(6) إن مبدأ الحرية هو الذي يحكم علاقة الفلاح بالأرض وهو الذي جعل ذات الفلاح يثور ضد المستعمر وينتقض ضد المعمرين. ففي قصة "الرجل المزرعة" نعاين الصراع القائم بين الفلاح الجزائري الأجير وبين المعمر الأجنبي الذي استحوذ على أراضي شاسعة وسخر سكان القرية خدما له، يقول المعمر "ليونارد": "أنا المسؤول الوحيد على المزرعة، على الأطفال والدجاج، على النساء والبقر، على الرجال والبغال، على المزرعة كل تلك المزرعة."(7). إن هذا المقطع يوضح من خلال ثنائياته: الأطفال/الدجاج، النساء/البقر، الرجال/البغال مستوى دلاليا يعكس نظرة المعمرين واحتقارهم للفلاحين الجزائريين، كما يحيلنا أيضا إلى الإقطاع وصورة السلبية التي أثرت في الريف الجزائري. فالمعمر ليونارد لم يكن يفرق بين البشر والحيوانات، وهذا الموقف المتعجرف جعل الكاتب يدخلنا في عالم يسمو بالوعي القومي عند الفلاحين الجزائريين، كما يحيلنا أيضا إلى الإقطاع وصورة السلبية التي أثرت في الريف الجزائري. فالمعمر ليونارد لم يكن يفرق بين البشر والحيوانات، وهذا الموقف المتعجرف جعل الكاتب يدخلنا في العالم يسمو بالوعي القومي عند الفلاحين الجزائريين لحماية الأرض واسترجاعها في الموقف صراعي ينتهي بمقتل المعمر الأجنبي في الأخير. أما في قصة "رمانة الساقية" فإن الأرض تتحول إلى بعد دلالي يمثل مقاومة الاجتثاث وحماية الذاكرة والتاريخ، فشجرة الرمان التي يبست وأراد الجميع احتطابها، تحافظ على جذورها وتبعث فيها الحياة من جديد "إن الجذور الطيبة لا تموت"(8).
2- الحرية:
شكلت قضية التضحية من اجل الحرية السياسية رافدا للثيمة الرئيسية في قصص بن هدوقة وتجسدت بالخصوص في المجموعات التي تتحدث عن الثورة التحريرية سواء في قصة "البطل" التي تروي مقاومة شاب تونسي للاحتلال الفرنسي ويستشهد في معركة بترت هذا الشاب الذي بقيمة الخلاص والانعتاق بعد مقاومة الاحتلال حتى ولو كانت نهايته الموت، فإيمانه بقضيته جعل آخر كلمة ينطق بها قبل استشهاده هي "الآن أمت حرا"(9) فالموت من أجل الحرية حرية وانعتاق. ونفس الإصرار نجده عند ذلك الشاب الذي ترك الصحراء أين تعود العيش وذهب على المدينة حتى يشاطر إخوانه ويساندهم في جبهات القتال، وتحمل الحياة في المدينة رغم أنه يطيق العيش فيها وظل يناضل هناك حتى يخرج الفرنسيين منها يقول "لا لن أغادر المدينة حتى يغادرها الفرنسيون"(10). ونفس الملمح تميز به بطل قصة الرجل المزرعة الذي استطاع أن يقتل المعمر "ليونارد" ويريح بذلك كل سكان المزرعة من شروره، وأن يوقظهم بفعلته تلك من سباتهم وشجعهم بالتالي على الثورة لانتزاع حريتهم بأيديهم (11) فالحرية قيمة تجسدت بقوة في اغلب القصص، وإن اتخذت دوافع متعددة ومحاور متباينة بين قصة وأخرى في سياق الموضوعاتية الأساسية المبينة على الصراع.
3- الهجرة:
عن الطابع الجمالي الواقعي الذي تمتاز به كتابات بن هدوقة دفعة لأن يجمع بين مختلف الوقائع والمكونات السوسيولوجية والثقافية والتاريخية ليجعل من نصوصه الإبداعية صدى للحياة ولآلام وأحلام الإنسان الجزائريون تجسد لنا الموضوعة الجزئية "الهجرة" مركبا ثيميا يصور الواقع اليومي للجزائري الذي وجد نفسه في مواجهة الحياة ولم يكن له من بد إلا الهجرة في بعض الأحيان سواء تحت وطأة الحاجة الاجتماعية والمادية أو تحت وطأة المعاناة التي يفرضها الاستعمار. إن بداية الهجرة اقترنت ببداية التغير الاجتماعي الناجم عن التدهور الاقتصادي حين هيمن المعمرون على الحياة الاقتصادية للجزائر ووجد سكان الريف أنفسهم أمام أمرين إما الخضوع لشتى أنواع البؤس والشقاء وإما التصدي لهذا الواقع عن طريق الهجرة الداخلية إلى المدن أو إلى ديار الغربة بفرنسا، ونلمس ذلك في قصة "ثمن المهر"(12) حيث سافر "عابد" إلى فرنسا للبحث عن عمل كي يحصل على مهر خطيبته "زليخة" والطريق الوحيد لذلك هو الهجرة لكن المرض حلا دون ذلك وقاده بدل المهر. ونفس المعاناة عاشها "الطيب" في قصة "الرسالة" الذي اضطر للهجرة للعمل والعودة لخطيبته ولوالديه غانما لكن النهاية كانت معاكسة لذلك وكلفة ذلك الانقطاع عن والديه وتزوج من فرنسية فحطم نفسية والديه وحلم خطيبته "سعدية" فالهجرة خلقت صراعا بين الأنا والى خر وجعلت الفرد يعيش في حالات من اليأس والشعور بالانفصال عن المحيط الطبيعي الآمن. فحتى امتلاك المال لم يعد قادرا على جعل المهاجر يستطيع خلق مكانة لائقة به في المجتمع الفرنسي لأن الترعة الإقصائية لا تعترف له بخصوصيته الثقافية ولا تسمح له بالتمكن من انتزاع اعتراف المجتمع الفرنسي. فالمولود في قصة "المغترب" رغم امتلاكه لمطعم وزواجه من فرنسية لم يشفع له عند الشرطة الفرنسية التي أبعدته(13). كما تطرح الهجرة منظورا آخر تمثل في حقيقة الهوية الثقافية التي تصطدم مع كيانات ثقافة البلد الآخر وما ينجز عن ذلك من قضايا تنهي ذلك الوهم الجميل الذي ينقشع عن معاناة نفسية قاسية فغالبا ما كانت العلاقات الزوجية التي تربط المهاجرين بالفرنسيات ذات نهايات انفصالية لانعدام التواصل الثقافي، وهو ما جعل بطل قصة "منتصف النهار" ينتفض مقررا إعادة بناء البيت العائلي من جديد بعدما ذاق مرارة الاختلاف الثقافي: "لن تعود إلى هذا البيت ولن أسمح لها بالعودة إليه سأعيد بناءه من الأساس حتى هذه الحيوط اهدمها بيدي وأعيد بناءه لن أعيش غريبا منذ اليوم."(13). فعنصر الصراع الداخلي القائم بين منظومتين ثقافيتين وغياب النظرة التوفيقية جعل المواقف تتباعد باستمرار. وفي مستوى آخر من الحديث عن الهجرة نعايش وبصورة مخالفة معاناة المثقف الذي يعايش أحداث الوطن من الخارج والحنين الذي يسكنه والإحساس باللاجدوى والقلق إذا كان لا يسهم بشكل مباشر في بناء وطنه، ويتوضح هذا الطرح في قصة "الكاتب"(14) التي تتحدث عن معاناة مثقف يعيش اللجوء في تونس مسكون بالوطن والثورة ويصارع نفسه حين يرى لا جدوى الكتابة في الوقت الذي يعبث الاستعمار ببلده وأهله. إن قضية الهجرة تميزت عند بن هدوقة بتناولها لجوانب متعددة سمحت له بتحديد ملامحها وأبعادها الصراعية نفسيا واجتماعيا.
4- المرأة:
إذا كانت قضية الأرض تعد محورا ثابتا في كتابات بن هدوقة فإن موضوعة المرأة كمكون جزئي في قصصه القصيرة يغطي جانبا مهما من الموضوعاتية الرئيسية في إبداعه القصصي وقد عمل بن هدوقة من هذا الجانب على إبراز جملة من المواقف التي تتشابك وتتشاكل لنؤدي وظيفة دلالية متعددة يكون محورها المرأة. التي تضافر حضورها بنائيا في مختلف النصوص السردية القصيرة عند الكاتب بما يوحي بأنها هاجس مركزي تقوم عليه كل الممكنات في القصص القصيرة عند بن هدوقة. وقد عمل الكاتب على تقديم ثيمة المرأة كبؤرة صراعية في مستويات الأول الذي يتعلق بمجال الحب قدم الكاتب هذا الموضوع من منظور المرأة فكان الحب الذي تهفو إليه المرأة في معظم قصص الكاتب خاليا من التطرف والثروات العابرة، فالقارئ لا يكاد يعثر على مواقف للمرأة تتخذ فيها من الحب ذريعة لمجرد إشباع رغباتها الجنسية، فنحن لا نجد من النساء سوى اللواتي يتطلعن للارتباط بمن يحببن من الرجال برباط الزواج حتى ولو وجد ذلك التطلع عقبات مانعة وهو ما نجده في قصة عزيزة وقصة الإنسان(15). وقد تكون المرأة رمزا للحرية للأرض لارتباط الإنسان بالجذور، فالمرأة والأم في قصة الأشعة السبعة مثال ورمز للسعادة والطمأنينة والدفء والحياة الهادئة والحية(16).
5- المثقف:
إذا كان بن هدوقة قد قدم لنا صورة للمثقف في قصة الكاتب يعيش صراعا نفسيا في بلاد الغربة، فإنه في قصصه اللاحقة الأخيرة والتي ضمتها مجموعة ذكريات وجراح تتخذ منحى آخر يصبح فيه صراع المثقف أكثر قوة في مواجهة آلة القمع التي لا تختلف إطلاقا في وسائلها ونتائجها عما كان يعانيه المثقف في المرحلة الاستعمارية السابقة لأن الأطروحات الفكرية لا تقبل المهادنة وتنطلق من مفهوم "الكليات ط المرتبطة والتي تسعى في مجالها الصراعي لتثمين قيم الحرية في الجهر بالرأي وإرساء قيم التعدد الثقافي والفكري ورفض الاستبداد والحجر على العقل. فمهمة الكاتب في بلاده أصبحت مستحيلة والكتابة صارت جريمة يعاقب عليها القانون وحبر الكتابة صار مصنفا في خانة المحظور وكل من يملك زجاجة حبر يطالقه العقاب لأنه ارتكب مخالفة خطيرة "من أين أتيت بالحبر؟ ألا تدري بأن تهريب الحبر ممنوع؟... هناك إذن من يجرؤ على الكتابة في هذا البلد؟..."(17) ويتجدد نفس الخطاب في قصة "أطلقوا النار على الكلمات" حين يأمر الباش شاويش نبطجي قائلا "ونأمر وزير الرقابة بمنع الكتابة، بمنع التفكير والشعر، بمنع كل لحن لا ينسجم مع أغاني القصر"(18). إن معاناة المثقف لا تتوقف وكل ما بدلي به يشكل خطرا على السلطة التي تمتهن مصادرة الرأي وتسعى جاهدة لإسكات كل صوت للمثقف يعمل على أداء دوره العضوي في المجتمع بحسب تعبير "غرامشي". والحل الوحيد يكمن في إسكات هذا الصوت بالموت "في غمرة ذلك الموت الأكبر، خرج الشاعر سددت عليه البطاريات والرشاشات وصرخ قائد البندقيات.. أطلقوا النار على الكلمات.
قتل الشاعر. لكن لم تقتل الكلمات. صوتها كان أقوى من الطلقات.."(19) فنهاية الشاعر ليست نهاية للفكرة التي يحملها بل أن امتدادها سيتواصل وسيحملها كل الذين عمل الشاعر على الدفاع عنهم بقلمه وبفكره واقفا في مواجهة الترعة التسلطية الأبوية التي ترى أن السلطة المطلقة للفكر الماضوي لا يجب أن تتغير بل عليها الاستمرار والتلبيد. غير أن هذه النظرة لا يمكن أن تصمد طويلا بل وتتلاشى إذا وجدت المقاومة اللازمة والإصرار على التغيير حينئذ لا يمكن لها الاستمرار، ويأخذ منطق التجاوز والتغيير مساره المنطقي والطبيعي(20). إننا نستشف مما سبق وخاصة في محور المثفق أن الموضوعة الأساسية التي تمثل الصراع بشكل عميق كبؤرة للتحول الذي تسعى كتابات بن هدوق لتثبيت دورها في المستوى الثقافي والاجتماعي بوصفه ضرورة طبيعية للانتقال بالإنسان الجزائري نحو آفاق الحداثة الثقافية والعصرنة وتجاوز الأشكال والذهنيات الأركائيكية التي تسعى جاهدة لكبح جماع التطور.
وإذا حاولنا تكثيف الدلالات التي تمنحها مجموعة القضايا الجزئية المنضوية تحت سياق الثيمة الأساسية نخلص على أن المجال الكتابة الإبداعية عند عبد الحميد بن هدوقة استوى بشكل واضح ودائم في سياق يجمع بين المجال الواقعي بكل تجلياته، وبين المجال التخييلي والإبداعي، وكانت الأبنية النصية في شكلها التقليدي في مجموعة "الكاتب وقصص أخرى" و"الأشعة السبعة" أو في صورتها التجريبية الجديدة في مجموعة "ذكريات وجراح" قد انسجمت بما يجعلها لا تخرج عن سياق المرحلة الجمالية والثقافية التي أنتجت فيها هذه النصوص وبما يستجيب لأطروحاتها الثيماتية.
الهوامش:
1- R.Barthes: in Les chemins actuels de la critique ed. 10/18. Paris 1968 page 429
2-J.P.Richard: Poésie des Profondeurs. ed. Points. 1976. Page 10.
3- عبد الكريم حسن: المنهج الموضوعي. شراع للدراسات والنشر ط2. دمشق 1996. ص10.
4- سعيد علوش. النقد الموضوعاتي. بابل للنشر والتوزيع الرباط 1989 ص13.
5- قصة الفلاح. مجموعة الكاتب وقصص أخرى ص35.
6- نفسه. ص33.
7- الرجل المزرعة. مجموعة الكاتب وقصص أخرى ص23.
8- رمانة الساقية - مجموعة ذكريات وجراح. ص24.
9- قصة البطل. مجموعة الأشعة السبعة. ص81.
10- قصة غبن الصحراء. ص45.
11- الرجل المزرعة. ص30.
12- ثمن المهر.مجموعة الأشعة السبعة. ص48.
13- قصة المغترب ص60.
13- قصة منتصف النهار. ص53.
14- قصة الكاتب. مجموعة الكاتب وقصص أخرى ص 51.
15- قصة عزيزة مجموعة الكاتب وقصص أخرى ص 113. قصة الإنسان ص 143.
16- قصة الأشعة السبعة مجموعة الأشعة السبعة. ص9.
17- تمثال بلا رأس. مجموعة ذكريات وجراح. ص 28-29.
18- قصة أطلقوا النار على الكلمات. مجموعة ذكريات وجراح. ص61.
19- نفسه ص 68.
20- الأب البندقية. مجموعة ذكريات وجراح. ص69-74.