تداخل الأجناس فى الرواية الجزائرية بين عبد الحميد بن هدوقة وواسينى الأعرج

. سناء سليمان سعيد مصطفى
جمهورية مصر العربية
. سناء سليمان سعيد مصطفى
جمهورية مصر العربية
مقدمة:
تتميز الرواية الجزائرية بحداثتها مقارنة بالرواية فى الدول الأخرى، مما احتلوا الصدارة فى كتابة الرواية؛ لاسيما الكتابة الروائية التى ترتكز على مختلف الأجناس الإبداعية من شعر ونثر ومسرح ورسم وموسيقى، بل لم تكتف بذلك؛ وتطرق الكتّاب إلى التصوير الفوتوغرافى؛ ليضع القارىء موضع المتلقى للنص والمحلل لكل ما يقرأه من نصوص إبداعية ثرية، تثرى العمل الأدبى المقدم حينذاك، وتشوق القارىء المستقبل للنص الأدبى، ورغم ذلك ظهر تميزها، ونالت شهرتها فى وقت طرق كتّاب الرواية الساحة الأدبية، من مختلف الأجناس العربية، إلا أنها استطاعت الحفاظ على مكانتها، وتقديم النصوص الثرية والمتنوعة، وتمثل ذلك فى انتقاء الموضوعات، وحرفية الكتّاب، والتركيز على أدوات الرواية الحديثة، وعدم تقوقعها، بل انفتاحها لتضفى بريقا على مضمونها، وتشمل مكونات ذات خصوصية أدبية وثقافية فى الوقت ذاته.
القضايا التى يناقشها البحث:-
يناقش البحث قضية تداخل الأجناس والاغتراف من الفنون الأدبية الثرية المتنوعة مثل المسرح وما ينتج عنه من (مسرحة الرواية)، وفن القصة وما ينتج عنه من (النوفيلا أو الحلقات القصصية)، والموسيقى والشعر والرسم، والتقنيات السردية الحديثة بمختلف مجالاتها؛ وتوضيح هذا التراسل (التداخل) من خلال دراسات تطبيقية على نصوص روائية جزائرية، وأثر ذلك على الرواية الجزائرية من تضمين هذه الأجناس داخل الأعمال الأدبية بمختلف فنونها.
المنهج المستخدم:-
تستخدم الباحثة المنهج التحليلى (Content Analysis)للنصوص الروائية المنتقاة للدراسة حيث يعرف بأنه:-"يقوم على وصف منظم ودقيق لمحتوى نصوص مكتوبة أو مسموعة من خلال تحديد موضوع الدراسة وهدفها، وتعريف مجتمع الدراسة الذى سيتم اختيار المادة الخاصة منه لدراسة مضمونها وتحليله." لذلك سوف تقوم الباحثة بعمل دراسة تطبيقية لأعمال روائية جزائرية، اغترفت ونهلت من مختلف الأجناس الأدبية مكونة مزيجا أدبيا رائعا، ومضونا أدبيًا ثريًا، ودمجا فنيا راسخا، وتجسدت هذه الأعمال فى رواية (غدا يوم جديد) للكاتب (عبد الحميد بن هدوقة)، التى ظهرت فيها تقنيات السرد الحديثة من استرجاع واستباق، وتلاعب بالسردية الزمنية، ورواية (سيدة المقام) للكاتب (واسينى الأعرج)، التى شملت مزيجا قصصيا متنوعا فى إطار النص الروائى، وربطت بين هذه القصص تيمة فنية متصلة منذ بداية الأحداث إلى نهايتها، تركيزا على البؤر الرئيسية فى مواطن الرواية المختلفة.
تراسل الفنون في مجال الرواية:-
يقصد بظاهرة تراسل الفنون (اختلاط الأجناس الأدبية) أى تداخل الفنون الأدبية من قصة، ورواية، ومسرح، وشعر، وقد اتسعت ظاهرة تراسل الفنون لتتجاوز الأجناس الأدبية إلى الفنون غير القولية. وبذلك يضفى كل فن من هذه الفنون خصائصه على الفن الآخر فيستفيد منه ويتأثر به ويؤثر فيه، وبدلا من أن نقرأ نوعا واحدا من فنون الأدب؛ كالرواية أو القصة أو المسرح أو الشعر أصبحنا بصدد قراءة أو دراسة نوعا يحمل صفات وخصائص متعددة من الآداب وزاخرة بالفنون، ولم يكتف باقتباس الفنون من بعضها البعض؛ بل أنها استعارت من الفنون السينمائية بكل خصائصها؛ لترسم لوحة مبدعة تتمازج فيها جميع أنواع الفنون والآداب، مكونة صورة واضحة ومكتملة لتداخل الأجناس مع بعضها البعض.
تعرف ظاهرة تراسل الفنون بأنها:-"ظاهرة غير خاصة بالفنون القولية، وإنما هى ظاهرة بين الفنون جميعها فى أرجاء العالم. ومن ثم أصبحت ظاهرة تراسل الفنون من الظواهر التى سيحملها القرن العشرين إلى بدايات القرن الحادى والعشرين كبداية لمنظور جديد لقضايانا القديمة المتجددة كقضية الحرية الفنية، وإشكالية الأجناس الأدبية." تتضح شمولية (تراسل الفنون) فهى ظاهرة غير خاصة بالفنون الأدبية سواء كانت قولية أم غير قولية؛ ولكنها ظاهرة عامة تشمل جميع أنواع الفنون مما يجعلها تمتد إلى القرن الحادى والعشرين وتناقش قضايا قديمة متجددة؛ كقضية إشكالية تداخل الأجناس بمختلف خصائصها وتنوعها الأدبى والفنى. وقد أدت هذه الظاهرة فى مجال الرواية إلى تجديدها بعد مناداة النقاد بموت الرواية، وجعلت من الرواية جسداً حياً نابضاً بالحياة، ومستقبلًا لكل ما هو جديد ومتطور؛ ليضيفه إليه ويستفيد منه ويؤثر فيه ويتأثر به.
بدأت الرواية فى الانفتاح على الفنون الأخرى والاقتباس منها، مثلما انفتحت على كل أنواع الآداب والعلوم، وأفادت من علم النفس فى ظهور أساليب جديدة لاسيّما أسلوب (تيار الوعى) الذى نهض بالرواية وارتقى بها وجعلها هدفه الأول، والكتابة من أجل الكتابة مما أدى إلى حرية التعبير والإفاضة فى الكتابة، والكشف عن المحتوى النفسى للشخصيات، مما أكسب الرواية إثارة وتشويقاً، وجعلها محل اهتمام القارئ وتحديداً المثقف الذى يهتم بمثل هذه الأنواع الأدبية الحديثة والمتطورة، مما تمثل فى إفادة الرواية من شكول روائية جديدة ومتجددة اضفت مزيدا من التجديد الإيجابى على مختلف الأجناس الأدبية.
-"إفادة الرواية من الأجناس الأدبية وتمخض عن هذا أن وجدنا شُكولاً روائية جديدة؛ فرواية الأصوات نوع من الحوار بين الشخوص وأفكارها بمعالجة سردية، وقد ساعد على ظهور رواية الأصوات وجود مجال أكبر من الحرية التى سمحت بالرأى والرأى الآخر، ومن ثَمَ جاءت رواية الأصوات ممثلة لوجهة نظر متباينة ولم تحمل كالرواية التقليدية وجهة نظر أحادية تتوازى مع الراوى العارف بكل شئ"().
تمثل الخطوة الثانية من إفادة الرواية فى ظهور أنواع أدبية جديدة؛ كرواية الأصوات التى تبرز الحوار بين الشخصيات، وتعطى مساحة أكبر من الحرية للرأى والرأى الآخر؛ فيظهر تعدد وجهات النظر، وتصبح الرواية مادة ثرية للقرّاء، وتختلف عن الرواية أحادية المنظور التى تحمل راوياً واحداً ومن ثَمَ تصبح أحادية الرأى (وجهة نظر أحادية)، وكأن الراوى هو المتسيد على أحداث الرواية مما يولد الشعور بالملل والإحباط والديكتاتورية، وعدم ثراء الحوار، بينما أسهمت ظاهرة (تراسل الفنون) فى تطوّر الرواية العربية، وظهور أنواع جديدة فى مجال الرواية إضافة إلى أجزاء مقتبسة من الفنون الأخرى، ما جعل الرواية مزيجاً من هذا وذاك، وذات خصائص فنية مزدوجة من أنواع الفنون والآداب المتنوعة والمختلفة؛ وكأننا بصدد قراءة مختلف الأجناس فى جنس أدبى واحد.
وذهب أحد الباحثين إلى دراسة (تراسل الفنون) على أحد الأعمال الروائية متمثلة فى رواية (شرفة الهذيان)، فوصفه بأنه فن جدل التجنيس وذلك فى قوله:-"ويتجلى هذا الجدل فى "شرفة الهذيان" بين السرد والوصف والشعر والرسم والسيناريو السينمائى والترسيمات والإعلانات والخبر الصحافى واللقطات المسرحية والصور الفوتوغرافية؛ فهى كتابة تتحرك على السور الفاصل بين هذه الأنواع والأجناس وهى ترفض بحدة كل الحدود والقيود وكل الأسس والتقسيمات المنطقية والفنية وغير الفنية" ().
يشمل (تراسل الفنون) كل هذه الأنواع من سرد، ووصف، وشعر، ورسم، وسيناريو سينمائى، وترسيمات وإعلانات وأخبار صحفية، ولقطات مسرحية، وصور فوتوغرافية؛ فهى كتابة حرة منفتحة وغير مقيدة بحدود أو شروط سواء كانت هذه الحدود فنية أم أدبية، ولذلك وصفه هذا الباحث بأنه (جدل التجنيس) الذى يثير الحيرة، ويكشف تجانس أنواع أدبية وفنية متنوعة وثرية تضفى إبداعاتها على النوع الآخر.
يعد الجدل والاختلاف والتنويع فى إفادة الرواية من أنواع الفنون متمثلة فى إفادتها من المسرحية التى تمثلت فى ولادة المسراوية وهى:-"محاولة لمسرحة النص الروائى وأمثلتها فى الرواية العربية نجدها عند الحكيم فى بنك القلق- ولويس عوض فى محاكمة إيزيس- ويوسف إدريس فى نيويورك80- جمال التلاوى فى الخروج عن النص."()
لذلك اخترت النماذج المنتقاة للدراسة، ثرية بتراسل فنون(تداخل أجناس) ومتنوعة بتنوع الأجناس المختلفة؛ مما أدى إلى إثراء الرواية الجزائرية، وتفردها على الساحة الأدبية أمام العالم أجمع، وفرض أهمية الرواية الجزائرية ومسايراتها للحاق بركب التقدم والتطور الأدبى والفنى المتجدد، وقد قمت باختيار أنواع محددة من الروايات التى تراعى هذا التداخل وتكثر منه، وذلك باختيار نماذج روائية معبرة عن مضون روائى ثرى، وحبكة سردية محكمة، وتيمة فنية متوازنة.
ومن ثم تم الاستعانة بروايتين للدراسة التطبيقية التحليلية:-
1- رواية (غدا يوم جديد) للكاتب عبد الحميد بن هدوقة.
2- رواية (سيدة المقام) للكاتب واسينى الأعرج.
وعند تناول نماذج من روايات تراسل الفنون أسجل أولاً أن هذا التراسل تطور طبيعى للرواية، كما هو تطور طبيعى لكل الفنون الأدبية ويمثل ظاهرة إبداعية صحية. ومن ناحية أخرى فمن المفترض أن الشكل الروائى يتجدد بترسيم زمنية النص الروائى ومن المفترض بداية أن تكون هناك علاقة قوية بين البنية الزمنية للنص الروائى وبين نوع التراسل فى الرواية. فمن الواضح أن متابعة مسار السرد ستختلف عن متابعة الحوار حال درسنا للمسرواية مثلاً.. ويبقى التساؤل عن مدى ارتباط الزمن الماضى بالسرد والزمن المضارع بالحوار.. وهل ساعد ذلك على تنويع بنية النص الروائى وزمنيته وشكله الفنى عندما تتراسل الرواية مع القصة القصيرة أو عندما تتراسل الرواية مع فن السينما أو المسرح أم لا؟!.
فقد أدت هذه الظاهرة فى مجال الرواية إلى تجديدها بعد فقدان الأمل على حد قول النقاد الذين نادوا بموت الرواية، لكن هذه الظاهرة جعلت من الرواية جسداً حياً نابضاً بالحياة ومستقبلاً لكل ما هو جديد ومتطور؛ ليضيفه إليه ويصبح هذا الجسد محل إعجاب ومدح من الآخرين.
أولا:- رواية (غدا يوم جديد)
بين المقاومة والاستسلام للكاتب عبد الحميد بن هدوقة*
صدرت رواية غدا يوم جديد للكاتب عبد الحميد بن هدوقة فى 1991م، وتعد آخر رواية له بعد مشوار أدبى طويل امتد لأكثر من نصف قرن. صدرت رواية غدا يوم جديد غداة أحداث 5 أكتوبر وفى الوقت الذى كانت الجزائر مقبلة على أزمة أمنية حادة كادت تعصف بمبادئ وأسس الأمة الجزائرية بأكملها، منذ 5 أكتوبر 1988م على لسان حال الساردة فى قولها:- "أكتوبر أنطقنى, أكوام الزجاج التى ملأت الأنهج, أذخنة الغازات والسيارات والبنايات المحترقة, أزيز الرشاشات والبنادق ذكرنى فى 11 ديسمر وأياما أخرى... لكن دماء أكتوبر سالت فى الشارع الذى بنته الرذيلة والنسيان! دماء ديسمبر سالت فى الحلم الأخضر! ذلك هو الفرق!لا بد أن لا ننسى هذا.أكتوبر أنطقنى، أقول كل شىء، ثم أذهب إلى مكة أغسل عظامى وأيامى!." بينما تستطرد فى قولها عن أكتوبر:-""اكتوبر"أنطقنى! أكتوبر الجزائر...كنت أراه قبل أن يصل!."
تدور أحداث الرواية حول قصة (مسعودة) التى تستعين بكاتب ليكتب لها قصتها بما يمثل ذلك الحكى داخل الحكى، بطريقته هو وبوجهة نظره هو، وبأسلوبه هو، ويصيغها كما تطلبها منه، وتعرض عليه التفاصيل كاملة فى صورة غاية فى الدقة عندما تقول:-"اكتب ما أمليه عليك، وما تعرفه أنت .لا يهم .أخلط الجميع الحياة واحدة. جميع المسحوقين تقاسموا آلامها.جميع الأشقياء مثلى ومثلك؛ غرتهم أحلام زرقاء، وخطب فى سنوات الجفاف." وتوضح قيمة القلم والكاتب فى قولها:-"إياك أن تمسخنى أنت بقلمك.إن القلم إلاه صغير يخلق من العدم مخلوقات تفرح وتتألم.دم المسخ لأهل المسخ.أرجوك، صورنى كما يملى عليك خيالك، إلا المسخ!... ضعنى حيث شئت. لكن الأحداث، أروها بصدق الأديب، لا بصدق المؤرخ." تفرق مسعودة بين القلمين؛ قلم الأديب الصادق الذى يصف الأشياء كما هى، ويراعى ضميره الأدبى قبل كل شىء، وقلم المؤرخ الذى يغير الحقائق؛ ليحصل على أفضل النتائج، مما يجعلها تتوسل للكاتب ليصفها بصدق الأديب ويحسن صورتها بقلمه لأنه السلاح القاتل الفتاك لأى إنسان، وتصور (مسعودة) تقديس القلم فى قولها إنه إلاه صغير ،تقديس وتعظيم لأهمية القلم ومدى ما يفعله على قلوب البشر، وقدس القلم فى القرآن الكريم فى قول رب العزة – بسم الله الرحمن الرحيم:-" ن والقلم وما يسطرون"
مما جعل الكاتب يعيش مع(مسعودة) أحداث الزمن وأحداث الحقبة التى عاشتها، ويتخيلها بكل تفاصيلها الدقيقة، وأحداثها السعيدة والحزينة معا، وتبدأ الرواية بأحداث النسق الزمنى الهابط، ويعد المرتكز الأساسى للرواية فى جُل أحداثها وهى رواية محطة القطار رمز السرعة والمضى من العمر، ورمز الماضى بكل ذكرياته، القطار الذى ترك مسعودة وقدور بكل خطى ثقيلة ووئيدة، مما اتعب مسعودة طيلة حياتها وبنيت عليه ما حدث لها من مختلف الأحداث. وجعلها ترى بعينها حلمها يتحطم وينهار ويضيع أمام عينيها، تبدأ (مسعودة) فى سرد الأحداث منذ بداية محطة القطار والحلم الضائع إلى نهاية الأحداث.كما فى قول السارد: –"ورفعت الحجاب! ورأيتها! بدت لى وهى أمامى على مقعدها، كأنها جالسة على الزمن! كل حركاتها الخارجية مفككة، لكن كل حركة منها كتاب مفتوح على الماضى، وزهد فى متاع الدنيا."
تتنقل (مسعودة) بين أحداث الرواية بخطى انسيابية؛ كأنها راقصة بالية تمشى بخطى سريعة ومنتظمة ومتناسقة لا يشعر بها القارىء سواء فى أحداث الرواية أو طريقة سردها للكاتب الموظف لهذا الهدف.كما فى قولها:-"أرجوك اكتب كل ذلك. لكن بصياغة أخرى. كلماتى أنا قديمة لا تجذب أحدا. أريد أن تكون قصتى جميلة.قصة بلا جمال تصبح حياة عادية."
تمثل أحداث الرواية فترة الثلاثنيات فى الجزائر من احتلال فرنسا ومرور مئة عام على الاحتفال بفرنسا وحضارتها المصطنعة والمزيفة بتزييف عقول الشعب الواهية الذى قبّل هذا سواء برضا منه أو عدم رضا، أو بمعنى أدق مرور مئة عام على اغتصاب فرنسا لأراضى الغير دون وجه حق كما فى قوله الراوية:-"فرنسا لا ترحم السجون كلها مفتوحة.إذا قيل لها هل امتلأت قالت:هل من مزيد!كل يوم تفتح مراكز جديدة ومحاجر جديدة."محجر مسيو ألبير" صار لا يكفى. الناس لا يريدون الاحتفال وفرنسا تريد أن يحتلفوا، ويدفعوا مصاريف الاحتفالات، فرنسا تريد من الأهالى أن يدفعوا النفقات ويفرحوا.ألم تأتهم بالحضارة ؟ ماذا يريدون أكثر من ذلك؟ لا بد ّإذن أن يفرحوا ويعبروا عن ولائهم للحضارة ولفرنسا أم الحضارة!"ديصاند"!"روح ياالعربى!"
وقعت الجزائر فريسة لفرنسا وحضارتها ، وما بين ذلك من ميول واستسلام للحضارة أو صمود ومقاومة للظلم والطغيان الواقع على عاتق الشعب الجزائرى. تحكى الرواية عن أحداث تأثير الاحتلال الفرنسى على الجزائر، وتأثير ذلك على الشعب الجزائرى وتتعرض الرواية لعدة أحداث قوية ووطيدة الصلة بالموقف السياسى الذى أثر تأثيرا كبيرا على سير الأحداث سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية؛ لا سيما السياسة التى تمثل لُب القضية وجذرها الأصلى، وتتعرض الرواية لقضية تداخل الأجناس (تراسل الفنون) ويتمثل هذا الاقتباس فى القرآن الكريم- الشعر- الحكى داخل الحكى- التقينات السردية الحديثة من تيار وعى- الحلم- المنولوج الداخلى- الاسترجاع- الاستباق- الفضاء المكان – الفضاء الزمانى.
وتناولت الرواية قصة (مسعودة ) الفتاة التى تعيش فى قرية الدشرة فى الجبل الأحمر، القرية الجبلية القاسية التى تعودت على مكامنها، وطرقها إلى أن جاء النصيب ودق بابها بقدور والحلم الضائع المتمثل فى مدينة (الجزائر) فرحت مسعودة لكونها ستسافر للمدينة وتترك هذه القرية الصلفة العنيدة كعناد أحجارها،إلا أن عناد حلمها كان أقوى منها، وحرمها من الفرصة الأولى التى واتتها لتحقيق هذا الحلم بعيد المنال، وعادت مرة أخرى إلى القرية التى استقبلتها بحزن خيم على قلبها، وذلك بسبب ما فعله قدور مع رجل المحطة والدركى الذى هاجمه، وضيع عليهما الحلم الكبير، وسجن قدور بسبب هذا الموقف لمدة ثلاثة أشهر ذاق فيها الويلات وجميع أنواع العذاب. وإن كان سجن معه رجل المحطة إلا أنه لم يعذب بالقدر الذى عذب به قدور زوج مسعودة، وذلك لصلافة قدور وقوته التى تكمن فى قوة عضلاته وليست فى قوة تفكيره.
ولم نغفل قصة قدور رمز القوة والمقاومة والصمود، الرجل الذى يعمل حمال فى المرسى مدينة الجزائر وأتى إلى القرية لزيارة عمته التى عرفته على فتاة القرية (خديجة) والذى أوشك على الارتباط بها، لولا فعلتها الشنعاء وهى رسم وشم على وجهها مما جعل قدور يغضب منها، وإنما لم يكن هذا السبب هو الفيصل فى الفراق وإنما (محمد بن سعدون) صاحب الفرسة الزرقاء الذى تحبه خديجة.
انفصل عنها بسبب علاقتهما معا وأغنية القرية الشائعة عليه؛ لكونه لم يعش فى القرية من قبل، ولم يكن يعرف بالأحداث التى تدور فيها. مما اضطره أن يلجأ إلى عزوز للاقتراض منه وبعد ذلك زوجه من مسعودة، وقُتل (محمد بن سعدون) وتُهم قدور فى جريمة قتله، ولكنه لم تثبت عليه أية تهمة أو إدانة، وساعده عزوز على براءته.
تسير الأحداث بالتوازى ويأتى دور معلم الفرنسية فى المدرسة الذى يذهب إليها ابن القائد، ويعامل المدرس معاملة سيئة مما اضطر المعلم أن يضعه نصب عينيه ويعد له المكائد، فطلب منهم فى الامتحان أن يكتب موضوعًا فى الإنشاء عن حمار يعامله صاحبه معاملة سيئة؛ فكانت الصاعقة من ابن القائد فى موضوع الإنشاء الذى كتبه بحرفية واتقان وترميز على الحكومة المغتصبة؛ مما أدى إلى غضب الحكومة الشديد وطرده من المدرسة، وطال الغضب والده الذى طالما ساعدهم مساعدة كبيرة، وشارك معهم فى الحرب العالمية ورغم ذلك لم يشفع له عندهم.
فى حين وصف مشهد محاكمة الفقراء الذين عجزوا عن تسديد الضرائب المفروضة عليهم وحكم عليهم بخمسة سنوات فى محجر مسيو ألبير الذى لا يقل قسوة عن السجن الفرنسى، بينما حكم على الصحفى المثقف بخمسة سنوات أيضا ولكن فى سجن فرنسا وكان أقسى حكم فى المحكمة،.لأنه نطق كلمة الحق التى زلزلت كيان المحكمة، وكانت الضربة المؤلمة فى صدور الظالمين.
بينما تسرد البطلة قصة الحبيب بن الحاج أحمد الذى أحب مسعودة بشكل كبير، وأحب نجاة التونسية أيضا وكان مثقفا ويحب العلم ويرغب فيه، وذهب إلى تونس لاستكمال تعليمه وتوضيح المسيرة التعليمية للبلاد العربية فى ذلك الوقت.
وصاحب الحبيب التى لم تكن تعرفه مسعودة إلا فى نهاية الأحداث، هو رجل المحطة نفسه، الذى سجن مع قدور، وذهبت تسرد لنا قصة المعلمة الفرنسية التى عملت لديها مسعودة وكيف ساعدتها فى ذلك الوقت، وكشفت عن الخيانة لديهم فى معاملة الأزواج مع بعضهم البعض، وأن لكل منهما عشيق فى الخفاء، ويأمروها بالأ تتفوه بما تراه، بينما فى نهاية القصة تثبت مسعودة أنها أذنبت كثيرا وتريد أن تذهب إلى مكة لأداء فريضة الحج لتغسل ذنوبها، وعظامها من كل الآثام والذنوب التى ارتكبتها فى حياتها.
الشخصيات فى أحداث الرواية:-
مسعودة :-
بطلة أحداث الرواية وزوجة قدور وأم الرجال الأقوياء وساردة الرواية وصاحبة القصة.
قدور :-
زوج مسعودة كان يعمل حمال فى المرسى فى الجزائر، رمز المقاومة والصمود فاسمه مقتبس من اسم عبد القادر وله دلالة رمزية منه على القدرة والصمود والمقاومة والشجاعة المفرطة.
الحاج أحمد:-
رجل كريم وحاج حتى وإن لم يكن ذهب بالفعل، ولكن الناس تحبه وتقدره وله هيبة وكلمة مسموعة بينهم.
يمينة :-
زوجة الحاج أحمد وأم الحبيب إمرأة كريمة، وطيبة القلب واستقبلت مسعودة فى دارها وعطفت عليها.
عزوز:-
رجل قوى غنى وزوج أم مسعودة، وله علاقة بالحكومة الفرنسية، وله نفوذ واسعة.
رجل المحطة:-
هو صديق الحبيب ابن الحاج أحمد. والذى كتب قصته بالتوازى مع قصة مسعودة.
الشيخ باديس:-
الرجل الذى يعظمه المعظمون، وهو صاحب رسالة علم.
الشيخ عبد الحميد:-
شيخ قسنطينة ويتلقى على يده الطلاب العلم.
رئيس المحطة :-
الظالم الذى منع أحد المسافرين من الوضوء والشراب من مياه الحنفية فى المحطة.
تعد رواية غدا يوم جديد الرواية الخامسة فى تجربة الأديب عبد الحميد بن هدوقة, حيث صدرت له قبلها الروايات التالية:- ريح الجنوب- نهاية الأمس- بان الصبح- الجازية و الدراويش. وإذا رجعنا إلى المدة الزمنية التى كتبت أثناءها هذه الروايات الخمس والتى تمتد من عام 1970 تاريخ صدور روايته الأولى " ريح الجنوب " وعام 1992م تاريخ صدور روايته الخامسة (غدا يوم جديد) فإننا ندرك أن فعل الكتابة الروائية لدى الكاتب كان بطيئا ينجز عملا روائيا واحدا طوال أربع سنوات.
الزمن فى الرواية:-
شكل فضاء الثلاثينات من القرن الماضى, الرقعة الشاسعة للمساحة الزمنية التى شهدت وقائع وأحداث وشخوص رواية (غدا يوم جديد) كما يكون فضاء الثمانينيات امتدادا طبيعيا، ومماثلا لسنوات الثلاثينات ويستخلص من هذا ديمومة الأوضاع الفاسدة وكذلك استمرارية الظلم ومظاهر العنف والخوف والاستلاب، واللاستقرار والمعاناة عبر امتداد هذا الفضاء الزمنى الطويل, و قد عبر الكاتب عن هذه الحالة غير السوية فى قول الساردة:-" اكتب القصة مبعثرة لكى لا يبعد الزمن بين أحداثها, لكى لا يكون شاسعا بين أكتوبر وديسمبر" وتسعى رواية " غدا يوم جديد" إلى اعتمادها على الثنائية الزمنية ' الماضى و الحاضر, والتى تتصف بالتشابه فى القول ببقاء أوضاع المجتمع الجزائرى:- الاجتماعية والثقافية والنفسية متشابهة ومن هنا تطفو جرأة هذا العمل الروائى الجديد وتتجذر أحداثه و شخوصه فى أعماق أخدود المجتمع الجزائرى المعاصر.مما يظهر المفارقات الزمنية (Anachronies Narratives) وهى مفارقة زمن القصة مع زمن الخطاب، مما يتولد عن هذه المفارقة تلاعب السارد أو الراوى بأحداث الرواية للوراء على هيئة ومضات (Flash Back)(*) فتتذكر الشخصية أحداث ماضية، وهذا القفز أو الارتداد للوراء كما يطلقون عليه يسمى (الاسترجاع Analapsis).ويعنى الاستذكار للماضى، والحنين له فلا يستطيع الإنسان، أن ينسى ماضيه فيرتد إليه من حين لآخر، مع وجود العوامل المساعدة على هذا الاستذكار كالأحداث والشخصيات والمواقف والزمان والمكان.
ولذلك يكثر الارتداد للوراء (الاسترجاع) فى أحداث الرواية أو فى سياق العمل الأدبى، لكى يعّرف القارئ بالتفاصيل التى لم تذكر مباشرة، ولكنه لجأ لاسترجاعها ليوضح له الأحداث والشخصيات المبهمة، أثناء سير الأحداث ويفسرها عن طريق الاسترجاع الذى يعرف بـ"إنه التطابق بين زمن السرد وزمن القصة المسرودة لا نجد له مثالاً إلا فى بعض الحكايات العجيبة القصيرة على شرط أن تكون أحداثها متتابعة وليست متداخلة. وهكذا فبإمكاننا دائماً أن نميز بين زمنين فى كل رواية زمن السرد (زس) وزمن القصة (زق)"().
ويفهم أن زمن القصة يخضع للترتيب المنطقى للأحداث بينما زمن السرد (زس) لا يخضع لهذا الترتيب والتتابع. فلو افترضنا أن قصة ما تحتوى على أحداث مرتبة ومتتابعة على النحو الآتى:- (أ ب د) وتعبر هذه الرموز عن زمن القصة فى حين نجد زمن السرد لا يأخذ نفس المسار؛ ولكنه يكون كالآتى (ج د ب أ)، فالأول هو زمن القصة (زق) المرتب ترتيباً منطقياً وتتابعياً، أما الثانى فهو زمن السرد (زس) المرتب تبعاً لرؤية المؤلف وكتابته له.
ترتد الأحداث تارة للوراء فيحدث ما يسمى (استرجاعاً)، وتقفز تارة للأمام فيحدث ما يسمى (استباقاً). ومن خلال عدم ترتيب الأحداث يحدث ما يسمى بالمفارقات الزمنية، ويقصد بكلمة (مفارقة) مخالفة. وعدم تطابق زمن القصة (زق) مع زمن السرد (زس) الذى تكمن فيه جوهر المفارقات، والاختلافات التى تحدث الإثارة والتشويق وعدم ملل القراء.
وذهب كثير من الباحثين بتعريف الاسترجاع بأنه:-"أن يترك الراوى مستوى القص الأول ليعود إلى بعض الأحداث الماضية، ويرويها فى لحظة لاحقة لحدوثها"().حدأحد
يعرف الاسترجاع بأنه استحضار الماضى فى الوقت الحاضر بكل أحداثه، واتفقت كل الآراء على أنه الارتداد إلى الوراء (الخلف) واللعب بالزمن، فهو يقفز به للخلف ويرتد للوراء فنجد الماضى حاضراً بين أيدينا. وماثلاً أمامنا، فلا توجد على الإطلاق شخصية دون ذكريات وماضى سواء كان هذا الماضى سعيداً بأحداثه أو حزيناً ومؤلماً بكل ما كان فيه.
ولذلك فانتقال الإنسان فى مراحل حياته تجعله على علاقة وطيدة بل دائمة الاتصال بماضيه لأنه أساس ما هو فيه الآن بل هو الجذر المتجذر لأصل حياته. ولهذا فالاسترجاع ليس مظهراً فنياً فحسب؛ ولكنه أيضاً يجعل أحداث الرواية أكثر إثارة وتشويقاً، لأنه بناء فنى متأصل فى الأحداث، فما نراه عدم ترتيب وتتابع منطقى أثناء مسار الأحداث هو نفسه ما يعطى الرواية مزيداً من الإثارة والتشويق وميل نحو التجديد والانطلاق.
ومن التعريفات الجامعة للاسترجاع ما ذكره أحد الباحثين فى قوله:-"كل عودة للماضى تشكل بالنسبة للسرد، استذكاراً يقوم به لماضيه الخاص، ويحيلنا من خلاله على أحداث سابقة عن النقطة التى وصلتها القصة. ومن بين الأنواع الأدبية المختلفة تميل الرواية، أكثر من غيرها، إلى الاحتفال بالماضى واستدعائه لتوظيفه بنائياً عن طريق استعمال الاستذكارات التى تأتى دائماً لتلبية بواعث جمالية وفنية خالصة فى النص الروائى وتحقق هذه الاستذكارات عدداً من المقاصد الحكائية ملء الفجوات التى يخلفها السرد وراءه سواء بإعطائنا معلومات حول سوابق شخصية جديدة دخلت عالم القصة أو بإطلاعنا على حاضر شخصية اختلفت عن مسرح الأحداث ثم عادت للظهور من جديد"().وقد اتسم هذا التعريف بتوضيح أهمية الاسترجاع فى نقاط أهمها: 1- استدعاء الماضى وتوظيفه بأسلوب فنى يجعل القارئ يستمتع وهو يتعرف على ماضى الشخصية التى بين يديه.
2- تلبية بواعث جمالية وفنية خالصة فى النص الروائى ويقصد بها أن الاستذكار والاسترجاع يستعملان بقصد فنى فى مسيرة الرواية أو العمل الأدبى المتواجدة فيه.
- تحقق المقاصد الحكائية ومنها ملء الفجوات التى يتركها السرد جانباً، وإعطاء القارئ معلومات عن شخصية ظهرت فجأة فى سياق الأحداث، ويظهر فى هذا المقصد الحكائى أن استخدام الاسترجاع له عوامل عديدة فنية؛ كالقصد من استكمال جوانب العمل الأدبى بالاسترجاع الذى يثرى المادة الكتابية ويملأ الفجوات والثغرات الموجودة فى العمل.
تلبى هذه الوظائف أهداف الاسترجاع فى الرواية مما جعل (الاستذكار) من أهم الوسائل المعبرة عن انتقال المعنى داخل الرواية. وتفسير الأحداث السابقة التى لم تذكر فى السرد، وإنما ذكرت من خلال الاسترجاع، والتى دونه تجعل القارئ فى حالة توهان وعدم استقرار. وملء الفجوات عن طريق استرجاع أحداث أو استباق أحداث أخرى فى اللحظة الحاضرة مما جعل الرواية بناء فنياً متكاملاً وناضجا ومثمرا بالنتيجة المرجوة منذ بدأ الكاتب فى تأليفها. وذلك لأنها وظفت الاسترجاع بطريقة فنية خالصة. وتستغرق عملية الاسترجاع مدة محددة من زمن السرد نفسه وتعبر عن ذلك بكلمات تحددها وتميزها وتوضح هذه المدة، بأنها مسافة مستقطعة من عدد الصفحات الكلى للرواية، وتعبر عن ذلك بالسعة والمدى فكل استرجاع له سعة ومدى.
ويقصد بسعة الاستذكار "المسافة التى تقاس بالسطور والفقرات والصفحات من خلال المساحة التى تغطيها على الورق، أو الخطاب للرواية"().
أما المدى فهو المسافة الزمنية التى "يتفاوت من خلالها طول أو قصر المدة التى تستغرقها المقاطع الاستذكارية فى أثناء العودة إلى الماضى ويقاس المدى بالوحدات الزمنية المسكوكة (الأيام والشهور والسنوات)"().
نلاحظ على هذين التعريفين الخاصين بالمصطلحين (السعة والمدى) مدى الاختلاف بينهما فالسعة ما يحددها هو عدد الورق أو السطور أثناء سرد الأحداث. وكأن السعة هى المساحة التى يحتلها الاسترجاع، فى حين نجد المدى يقاس بوحدة زمنية محددة كالأيام أو الشهور أو السنين، وهذا هو ما يحدد المدى وليس عدد الأوراق كالسعة، ويكفى الإشارة بكلمة أو جملة لنعرف مدى الاسترجاع لهذه الأحداث.
الزمن فى الرواية:-
تبدأ الرواية بالزمن الفنى الهابط وبالاسترجاع وتبدأ حكايتها من محطة القطار التى ترمز لها بالعمر فى قول مسعودة:-"ويمضى القطار بالحلم.ويمضى الدركيان بقدور وصاحبه.ويبقى الحاج أحمد وحده فى الطريق يغطى أمامها الفضاء." إلا أن الرواية بدأت منذ كتابة الكاتب لقصة مسعودة وهى الرواية بمجملها، وتوصليها للقراء على أكمل وجه ممكن ،لأنها لا تجيد صياغة الجمل والتراكيب الجذابة على حد قولها، كما أنها تريد أن تخرج قصتها للنور بأفضل الأساليب والتراكيب؛ مما جعلها تستعين بكاتب دقيق ومتحكم بأساليب الكتابة الحديثة التى تصلح للقراءة والقراء.
وتعود مرة أخرى للتأكيد على أهمية الزمن فى حياتها خاصة فى قولها:-"أعجبنى أنك بدأت بالمحطة.شأن القطار فى حياتى شأنه فى ... النهضة الصناعية فى أوروبا، هو ذاك .من المحطة ابتدأت حياتى تدخل إلى العالم.كنت قبلا فى شبه غيبوبة أو ميتة" ميت أهل الكهف القطار كالقدر" تشبه القطار بالقدر والنصيب المكتوب الذى لابد من حدوثه، وتعود بسرعة لتؤكد على قولها:-"أنا لست أنا ! ما أطول الزمان وما أقصر الحياة! فى الدشرة لم نكن نعرف الزمن .عرفته هنا فى المدينة. كنا نعرف أوقات الصلاة. الصيام . العيدين. رأس العام الهجرى. ويوم الجمعة ويوم السوق! لم يكن الزمان امتداد كان يدور: الربيع، الصيف، الخريف، ثم الشتاء." تشبه السادرة الزمن بأنه طويل رغم قصر الحياة، إلا أن الزمن هو الحياة، لكنها فرقت بين الأثنين لأنها تعيش الزمن بكل ما فيه من تأملات، وأفراح، وأتراح؛ مما جعلها تركز على السردية الزمنية التى تتيح لها معايشة الحدث والشعور بطوله وبقصره رغم قصر الحياة نفسها، إلا أن الحدث زمنه ووقته أطول، وهذا ما أراد الكاتب توصيله للقراء بالفعل حيث أنه اختصر حياة كاملة فى قراءة ساعات للعمل المكتظ بالحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى ذلك الوقت.
تعود مرة أخرى فى نهاية الأحداث لتختم قولها بالقطار أيضا، لأن الزمن دائرى من بداية الأحداث إلى نهايتها فى قولها:-"القطار هذه المرة لم يتخلف.ولم يكن أحد بالمحطة سوانا.حلت الساعة الثانية بساعة المحطة الجدارية ذات الوجهين.ماذا أقول لك أيضا؟ ركبنا، وانطلق القطار بى إلى الحلم.إلى الغد الجديد!." تنهى الساردة بسردية زمنية أحداث الرواية إلى البداية وهو الانطلاق إلى مدينة جديدة وحلم جديد وغد جديد، وهذا ما كانت تتمناه منذ زواجها من قدور؛ لأنه يمثل لها الحلم والمدينة والغد الأفضل فى الانتقال من القرية إلى المدينة ومن الموت إلى الحياة.
ماضى - مستقبل
حاضر
ماض
ماضى زمن الدوران
مستقبل
حاضر
دوران الزمن فى رواية غدا يوم جديد
المكان فى الرواية:-
يشكل تعدد الفضاء فى أعمال الأديب (عبد الحميد بن هدوقة) ظاهرة جمالية متميزة, يطغى محور الريف والمدينة على أعماله الروائية والقصصية, بحيث تتداخل فضاءات الريف بفضاءات المدينة فيكونان نسيجا متشابكا من الصلات و الدلالات و الرموز. وقد استنتج (د.عبد المالك مرتاض) فى دراسة له لمجال "الحيز" فى قصص عبد الحميد بن هدوقة بأن:-"حجم الحيز المدنى يفوق حجم الحيز القروى, وأن نسبة الفضاء المدنى ترقى مجموعة الكاتب وقصص أخرى إلى 60% و فى مجموعة الأشعة السبعة إلى76.92 %." تتناقض هذه النسبة المرتفعة لحضور فضاء المدينة فى قصص عبد الحميد بن هدوقة بشكل ملفت للانتباه فى نتاجه الروائى حيث يكون للريف, و فضاءاته, وأبعاده حضورا مكثفا وغزيرا, وقد نستثنى من هذه الملاحظة فضاء رواية (بان الصبح) التى يهيمن فيها فضاء المدينة على فضاء الريف.
الفضاء الريفى:-
فضاء البيت:- يركز النص كثيرا على تصوير بيت الحاج أحمد من الداخل ومن الخارج, وتبرز صورته على لسان الساردة؛ فعيناها تلتقطان بسرعة مذهلة وفضولية قِطع وملامح البيت حجرة جانبية- فناء الدار- حجرة العائلة فى قول الراوى:-" أول ما جلب انتباهها خزانة كبيرة من جزئين علوى وسفلى.العلوى واجهته زجاجية، رفوفه ممتلئة بطواقم الفناجين والكوؤس وأووانى أخرى رفيعة من الخزف، لمعانها وزخارفها المزدهرة المتعانقة تكاد تنطق بالجمال! حاولت أن تتفحص ما بالخزانة من أوان فعدت طاقم كؤوس كبيرة ذات أزهار، وطاقم كوؤس شاى، إناء زجاجيا ضخما. فى زاوية من زوايا الحجرة طاولة ضخمة عليها فراش وأغطية صوفية كثيرة-كما تكهنت مسعودة- مغطاة بقماش أبيض." بينما يختلف سردها فى وصف الفضاء المكانى للقرية، وذلك حسب التوزيع الجغرافى لكل من المدينة والقرية؛ فالقرية مشهورة بطرقها الملتوية والمتعرجة والمنازل البسيطة والمبانى المنخفضة والشوارع الضيقة، كما تصفها فى قولها:-"بالقرية واد يشق بساتينها فى انهباط متعرج، على شكل طريق ملتو فى غابة كثيفة، يظهر هنا ليختفى هناك.أماكن من مجرى الماء مغطاة بالعليق الملتوى فى عناق وتشابك مع حبال الكروم وشجر مائى نسميه: عود الماء لا ينبت إلا على مجارى الماء الدائمة. مجرى الوادى تكثر به الصخور والبرك والشلالات الصغيرة.نتوآته وتضاريسه لا تدوم على حال.كلما مر بها سيل أعطاها أشكالا جديدة."
أ- فضاء المحطة:-
يأتى الحديث عنه بمناسبة سفر الساردة (مسعودة) وزوجها (قدور) إلى مدينة الجزائر, ويمكن اعتبار هذا الفضاء بمثابة مدخل للمدينة, أو المرتفع الذى يطل عليها, ففى المحطة يلتقى الإنسان بأناس من مختلف القرى, ويرى الحُراس ورجال الدرك و عمال المحطة ويشعر بازدحام يشبه ازدحام المدينة, كما تتصادف فيه قيم الريف, وقد يكون أيضا معبرا لتحقيق الأحلام أو انكسارها.
وكانت المحطة فى الرواية مصدرا لإنكسار أحلام مسعودة؛ فهى لم تتمكن من السفر إلى المدينة (الحلم) مع زوجها قدور بسبب مشكلته مع رجل المحطة والذى كان يذهب ويعود أمامها. ويصور الوصف التالى حالتها النفسية وهى تشاهد زوجها تحت سيطرة الدركى, بينما فى اللحظة نفسها كان القطار يتهيأ للمسير نحو العاصمة الحلم والذى تبخر فجأة بسبب غيرة زوجها المفرطة ونفاذ صبره وإلغاء عقله وتفكيره كما وصف الراوى فى قوله:-"عيناها تدور فى كل اتجاه لكنهما لا تجدان مستقرا "يا رب" شخير القطار ينشط من جديد, رئيس المحطة يشير بعلمه فى اتجاه رأس القطار, حيث السائق ويصفر, القطار يرد بتصفيرتين حادتين ينخلع لهما القلب, ويقلع القطار عجلاته الغليظة تحدث باحتكاكها مع السكة صوتا رهيبا يمحق كل أمل فى رأس مسعودة ! ما أبعد ذلك الأفق الذى تريد أن تعرفه! إنه أفق بعيد, بعيد ! لا تصل إليه حتى الأحلام!" فالمحطة فى الرواية تعد رمزا للإنتقال من الفضاء المبغض إلى الفضاء المستحب, وتعد جسرا يحقق الناس من خلاله أحلامهم و يتطلعون إلى الآمال والأحلام والمستقبل الواعد؛ و لكنها غدت فى النص الروائى مثل مركز الدرك ومركز التعذيب وفضاء المحجر, حيث تسلب الحرية فيها وتقمع الأحلام ويتفرق الأحباب كل إلى جهة مجهولة حيث لا يدرى أين المستقر، ويفتقد العدالة وينتشر الظلم على مرأى ومسمع من الجميع.
2- فضاء مركز الدرك:-
يشكل هذا الفضاء أيضا مجالا واسعا, تسلب الإنسان إنسانيته و يتعرض فيه لجميع أنواع الإهانات والذل والتعذيب, رغم كونه نقطة انتقال إلا أنه يمثل دورا أساسيا فى بنية الفضاءات الإدارية والعسكرية, ففيه تدار كل الخطط والتدابير غير القانونية, وتحضر الملفات وتُحَرَفُ الأقوال, وتتضاعف التُهم، وترمى بغير ذنب.كما وصفه الراوى:-"مكتب مستطيل، له نافذة مطلة على ردهة موالية للطريق العمومى.قاعة مبلطة ببلاط حمرته أشهبت من الأقدام والقدم والغبار جدران وسخة.لاسيما جدران النافذة حيث آثار الأيدى تبدو بلون الصمغ العربى.طاولة مكتب مستطيلة، قديمة، بأرجل ضخمة شهباء زال عنها الدهن عن أجزائها السفلية.طاولة أخرى أصغر فى زاوية المكتب، مقعد خشبى مستطيل يستند إلى الجدار المقابل لمكتب العريف الأوروبى." تبرز من خلال التركيز على عملية التعذيب شخصية المواطن الجزائرى العميل, حيث اشترك مع الضابط الفرنسى فى تعذيب واستنطاق (قدور) وقد كان أشدَ منه إيذاءا وتعريضا واستفزازا وتأويلا لكلام قدور, وكان يريد أن يلفق له تهمة بأية طريقة ممكنة، كما شارك فى ضربه وتعذيبه بعنف، وأغلق فى وجهه كل المنافذ للإفلات من تحت قبضته الدامية.
وكان أشد قسوة حتى كاد أن يقتله أثناء استجوابه؛ فالمركز لا يعدو أن يكون فضاء ضيقا, مغلقا تنتهك فيه الحقوق والقوانين والأعراف والأعراض ويُسلَبُ الموقوف فيه من كل عناصر شخصيته ويُذَلُ الرجل فيه إذلالا بشعا وبطرق وحشيته، حتى يثبت للحكومة الفرنسية أنه مخلص لها، ولا يربطه بأولاد بلده لا صلة رحم ولا دم ولا أنتماء. حيث إنه يفقد الانتماء فى الأساس فكيف يعطيه؟!.
تداخل الأجناس فى الرواية:-
يمثل تيار الوعى توجهاً جديداً فى تشكيل النص الروائى، وتقنية حديثة لإحياء النصوص الأدبية وانتعاشها، وعودتها للحياة مرة أخرى، من خلال عدم اعتماد الكتّاب على الزمن التقليدى؛ فكان من الطبيعى أن يحتفظ ببنية زمنية خاصة تؤثر فى تماسك النص الروائى، فهل هذه البنية عقلانية أم نفسية فتحت الزمن على حدود الاستدعاء الحر، وهل أثر ذلك على مسار وحركية السرد الروائى باستباقاته واسترجاعاته؟!.
تعد ظاهرة تيار الوعى فى الروايات المعاصرة من أشهر الاتجاهات التى ظهرت فى القرن العشرين وكانت بداية ظهورها فى الرواية الفرنسية، ولكنها اتسعت حتى وصلت الأدب العربى، ولأن الرواية شكل مفتوح ومتسع لكل التجارب، أقبل الأدباء على دراسة الأساليب الحديثة وتطبيقها على الرواية الحديثة، وكان من ضمنها أسلوب تيار الوعى.
اهتم النقاد بدراسة هذا الأسلوب حديث النشأة من أجل فهم مقاصده وتقنياته وأطرقوا الأبواب لتعريفه، وذهب الكثير من الباحثين إلى أن تيار الوعى:-"هو (الشعور) وهو فى الأصل مصطلح يستمد مرجعيته من علم النفس حيث دل به (وليم جيمس) على جريان الذهن بلا انتهاء معه تبار الأفكار الحرة".() ويلاحظ من خلال هذا التعريف الحرية المطلقة للتفكير والاستمرارية الدائمة لعمل الذهن وانشغاله بأفكار مطلقة وغير مقيدة بحدود أو شروط.
ونجده أيضاً يستخدم " للدلالة على منهج فى تقديم الجوانب الذهنية للشخصية فى القصص فإنه يمكن أن يستخدم على نحو محدد".()
يؤكد هذا التعريف على تركيز تيار الوعى على الجوانب الذهنية واسترسال الأفكار؛ ليكشف الجانب الذهنى للشخصية، بمعنى أن تيار الوعى يهتم بالجانب النفسى أو(الحالة النفسية للشخصية). وقدم بعضهم تعريفاً لتيار الوعى بطريقة تفصيلية، فدرسوا كلمة (تيار) منفردة عن كلمة (وعى). تعنى كلمة (تيار) "التيار Current اتجاه عام يجذب الأذهان نحو فكرة معينة أو تذوق خاص. وذلك كتيار التجديد الذى ساد بين أدباء مصر فى مستهل القرن العشرين."()
وذهب الكثير من الباحثين لتعريف التيار على أنه:-"التيار سواء كان أدبياً أم فنياً هو حصيلة جهود خاصة ذات طابع محدد من المضمون أو الشكل داخل فرع من فروع الفن أو الأعمال الفنية التى تخص أعمالاً معينة بخصائص جديدة تحاول انتشارها وتعميمها".() ويلاحظ على التعريف السابق أن التيار ذا طابع محدد ويخص أعمالاً معينة ومحددة وهذا ما ينطبق على ظاهرة تيار الوعى من حيث إنها محددة، وهادفة لغرض محدد ومخصص.ونحن بصدد تيار أدبى يدرس الظواهر الأدبية ويطبق على الأعمال الأدبية من قصص وروايات.ويقف الباحثون عند كلمة (الوعى) من حيث إنها أضافت تخصيصاً لكلمة (تيار) لأن المضاف إليه يفيد تخصيص المضاف، ويقفون أمام المصطلح (تيار الوعى) بالدراسة.
و(الوعى) فى علم النفس "شعور الكائن الحى بما فى نفسه وما يحيط به".() وهذا التعريف هو نفسه ما ورد فى معجم المصطلحات العربية فهو "إحساس الإنسان بما يجرى فى نفسه وما يحيط به من الأشياء.() وعرفه أحد الباحثين بقوله:-"يدل الوعى على منطقة الانتباه الذهنى التى تبتدئ من منطقة ما قبل الوعى وتمر بمستويات الذهن وتصعد حتى تصل إلى أعلى مستوى فى الذهن فتشمله، وهو مستوى التفكير الذهنى والاتصال بالآخرين" ()
وبذلك يكتمل التعريف لكلمة (وعى)؛ فكلمة (تيار هى اتجاه نحو هدف معين) وكلمة (وعى) هى الإحساس والشعور ومنطقة الانتباه الذهنى لدى الإنسان فيصبح مصطلح تيار الوعى عند استخدامه فى مجال الأدب يعرف بـأنه:-"نوع من القصص يركز فيه أساساً على نوع من مستويات ما قبل الكلام من الوعى بهدف الكشف عن الكيان النفسى للشخصيات".()
نستطيع القول أن التعريف يهدف إلى الكشف عن الكيان النفسى للشخصيات بإلقاء الضوء على المستوى الذهنى فيكشف لنا الغموض سواء كان ذلك عن طريق استرجاع لأحداث نجهلها أو تمنى لأحداث نريدها أو حوار نفسى غامض أو باستخدام أية تقنية من تقنيات تيار الوعى التى تبرز نواحى الغموض لدى الشخصية الأدبية.
وعلى ذلك فإن روايات تيار الوعى هى الروايات التى تكتب بإفاضة وحرية تامة فى التعبير عن المشاعر وطرق أبواب مغلقة لم تطرقها الروايات من قبل، ولا تهتم بالتسلسل الزمنى للأحداث التى تظهر فى الروايات التقليدية. ويتسم أسلوب تيار الوعى بعدة خصائص تحدده وتميزه عن الأساليب الأخرى، ومن أهم هذه الخصائص ما يأتى:-
أولاً: المونولوج الداخلي:-
اعتمدت الروايات الحديثة، وخاصة روايات تيار الوعى على هذا التكنيك إلا أنه يتشابه مع تكنيك مناجاة النفس فى أن كليهما يعمل على إفراغ المحتوى الذهنى للشخصية ولكنهما يختلفان فى حضور الراوى، ونجد ذلك متمثلاً فى أن المونولوج الداخلى هو:-"ذلك التكنيك المستخدم فى القصص بغية تقديم المحتوى النفسى للشخصية، والعمليات النفسية لديها، دون التكلم بذلك على نحو كلى أو جزئى".()
ثانياً: (مناجاة النفس):-
تعرف بأنها:-"تكنيك تقديم المحتوى الذهنى، والعمليات الذهنية للشخصية مباشرة من الشخصية إلى القارئ، دون حضور المؤلف ولكن مع افتراض وجود الجمهور افتراضاً صامتاً".() ونجد هذا الاختلاف متمثلاً فى أن الأول له هدف محدد وهو توصيل المحتوى الذهنى دون تدخل من المؤلف؛ ولكنه يقف شاهداً على الأحداث. فى حين أن المناجاة تفترض وجود جمهور مما يزيدها ترابطاً به واحتراماً لمشاعره فى طريقة توصيل مضمون الحكى دون حضور المؤلف.
وأود أن أضيف أن موقف الراوى فى المونولوج الداخلى يساوى موقف الراوى المحايد (غير المشارك فى الأحداث رغم وجوده) وكأنه مراقب صامت على ما يحدث داخل العمل الأدبى. بينما تفضل المناجاة تعدد الأصوات ومن ثم تعدد الرواة فكل شخصية تعبر بأسلوبها وثقافتها ورؤيتها للحياة أو المواقف مما ينتج عن ذلك تعدد وجهات النظر (Point of view) فى العمل الواحد.كما فى قول زوجة الحاج احمد الطيب عن مسعودة:-"تتحدث فى نفسها:"أى أمر؟ ومن تكون هذه الفتاة؟ ولم جاء بها إلى هنا؟ ولماذا هى أمانة؟!." لا تستطيع أن تتفوه بهذا الكلام خوفا من إحراج الفتاة، إلا أنها تحدث نفسها لعلها تزيح ثقل كبير من الأفكار المتزاحمة على كاهلها.
بينما يأتى حديث الحبيب ابن الحاج أحمد أكثر الحاحا واستفسارا، لأنه يحس احساسا غامضا يشده إلى الفتاة، كما فى قوله:-"تتكرر الأسئلة فى نفسه: من تكون؟ لماذا جاءت مع أبيه؟ إلى أين تذهب؟ ما قضيتها؟ بماذا تحلم .من تحب؟ هل أحبت بعد أحدا؟ يا اله السموات والأرض الذى خلقت من كل مخلوق عالما قائما بذاته، من أحبت هذه الفتاة؟ من ستحب؟ أيكون فى التقديرات الغيبية ما سوف يجمعنا؟ آه، لو أدرى أننا سنتلاقى ونتحادث و... سأبنى لنا حياة سياجها النور ورحابها الحرية!." يحادث الحبيب نفسه ويسأل كل هذه الأسئلة التى يتمنى أن يجد لها إجابة واضحة جلية؛ لكى يريح فكره من هموم متثاقلة على نفسه، ويريح قلبه من حب لا يدرى نهايته، ومن فتاة لا يعلم عنها شىء.
الاقتباس من القرآن الكريم:-
وضح الاقتباس من الألفاظ والأيات القرآنية الكريمة فى سرد الراوية (مسعودة) أو الراوى (كاتب قصة مسعودة)، حيث وضح التأثر التام بالمفردات القرآنية المقدسة من بداية أحداث الراوية إلى نهايتها، كما فى قوله:-"منذ عرفتها أدركت لماذا يؤمن الناس بالغيب.بدت لى الحياة نقطة مضيئة تسير فى خط مظلم." استعان الكاتب بمفردات لفظية تدل على التقديس مثل (يؤمن- الغيب)؛ ليصل إلى نهاية مجملها الخوف من الله – عز وجل- فى كل أمور الحياة.
ويعود ليقول :-" أنها تتحدث عن الصلاة تعرف تلك الصلة الخفية التى تنشأ بين الإنسان والكون." يؤكد على الصلة بين العبد وربه وهى الصلاة، فهى تحبها وتعرف أنها أذنبت فى حق نفسها قبل أن تكون أذنبت فى حق الآخرين، بينما يأتى قولها لتؤكد على إيمانها بارتكابها ذنوب، وتريد أن تتطهر منها بغسل نفسها فى البقاع المقدسة(مكة) فى قولها:-"أقول كل شىء، وأذهب إلى مكة أغسل عظامى."
تعلم أن لها عقاب آلهى على أفعالها؛ ولكنها تتوسل إلى رب العزة ليمحو لها خطاياها فى قولها:-"أعرف أن الله سيعاقبنى على كثير من أفعالى. كل الشيوخ الذين يتحدثون يوم الجمعة قالوا ذلك. ذكروا عقاب المذنبين بتأكيد لا يقبل الشك: هل تكذب أحدا إذا قال: حارس الحامة هو مقام الشهيد؟ لا، طبعا.كذلك ما ذكروه عن الآخرة. لكن أؤكد لك، كما أناجى ربى بينى وبين نفسى، أننى لم أفعل فعلا يمس الآخرين. ذنوبى- وهى كبيرة- كانت عن سذاجة وكرم." تغفل عما فعلته من كبائر، وتقر بأنها لم ترتكب هذه الذنوب والمعاصى عن قصد؛ ولكنها ارتكبتها عن دون قصد بل عن سذاجة منها وكرم بجسدها الجميل السخى، التى كانت لا تستطيع أن تمنعه عن أحد على حد وصفها.
وتستشهد بآيات قرآنية فى قولها:-"تأخذ بأيدى العارفين لها، المكتنهين لأسرارها، إلى الجنة مباشرة، دون سؤال قبر، ولا برزخ، ولا جسر، ولا وقوف فى حساب. تقودهم إلى الجنة بغير حساب، حيث ينتظرهم فيها "ما تشتهيه الأنفس وتلذ له الأعين"مقامهم فيها دائم ونعيمهم متجدد"متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنا الجنتين دان." ويستمر الاقتباس من القرآن الكريم إلى نهاية الصفحات من صـ 199 إلى صـ200، صـ229، صـ302، صـ308
الاقتباس من الشعر:-
لم يتوقف الكاتب عن النهل من الأجناس الأدبية الأخرى، بل جعل من روايته مصبا لكل الأجناس الأدبية، ومن بينها الشعر مثل قول الراوى:-"ثم أنشدنى أبياتا أخرى عن هذا اللون من الغرام البيت الفريد هو ذا، ولعله من نظمه:-
عجبت لمن يزنى وفى الناس أمرد أليس ركوب الخيل فى الحرب أجود!؟
ظبى رمانى بسهم لحظ الأعين مذ قد بدا مبتسما فأماتنى"
يامن هواه أعزه وأذلنى كيف السبيل إلى وصالك دلنى
واصلتنى حتى ملكت حشاشتى ورجعت من بعد الوصال هجرتنى"
وعاد مرة أخرى للاقتباس من الأبيات الشعرية فى قوله:-
"فليس مجبورا ولا اختيارا وليس كلا يفعل اختيارا."
"وما حجى لأحجار بيت كؤوس الخمر تشرب فى ذاره"
بينما فى موضع آخر استعان بهذه الأبيات التى توافق المعنى المنشود:-
" إذا كنت فى قوم فأصحب خيارهم ولا تصحب الأدرى فتردى كمثلهم
فمن خالط العطار طاب بطيبه ومن جالس الحداد نال السوائد"
ويأتى البيت الذى كان موضوع الدرس فى ذلك اليوم:-
"فليس مجبور ولا اختيارا وليس كلا يفعل اختيارا"
لم نغفل التأثر بالأدب العالمى مثل كتاب ألف ليلة وليلة فى قولها:-"هل وجدت قصة فى الأدب العالمى تحدثت عن الجنس ببراعة ألف ليلة وليلة؟ ومنذ ثمانية قرون! قصتنا ينبغى أن تكون أكبر من ألف ليلة وليلة." لا شك أنها تريد الخلود لقصتها مثلما حدث لرائعة ألف ليلة وليلة، وتريد المضهاة بها، بل أنها تحث الكاتب على المقارنة بها والتحدى لوصولها نفس المبلغ من الاتقان والصدق والشفافية، مما يؤدى إلى دوام قصتها وخلودها وذيوع صيتها على مستوى العالم أجمع.
استنطاق النص :-
يظهر استنطاق النص واضحا جليا فى خطاب الحمار العجيب فى النص، حيث إنه اشتهر الحمار المتكلم شهرة فيلم (جان رونوار)، مما أدى إلى أخذ موقف عدوانى من القائد وابنه جراء قصة الحمار المتكلم الذى فاقت شهرته العالم. وأصبح ابن القائد محاميا شهيرا الآن، وعندما كان صغيرا طلب المعلم الفرنسى كتابة موضوع إنشاء عن حمار يعامله صاحبه معاملة سيئة؛ فكانت النتيجة الصادمة والمروعة من موضوع ابن القائد :-"قرر المعلم، بعد استئذان السلط المعنية، أن يكون موضوع الاختبار الكتابى فى الإنشاء هو:"حمار عومل معاملة سيئة من طرف أحد الأهالى.أحك حياته المعذبة وصبره..." ومن هنا بدأ ابن القائد فى كتابة موضوع الإنشاء الخاص به؛ فخرج أروع مما تصور المعلم الفرنسى بل من شدة روعته صار حديث الجميع من الحكومة والأهالى، كما فى قوله:-"لما أخبر أبى المعلم بالموضوع لم يصدق بوجود حمار ناطق يحسن ثلاث لغات! فقرر أبى أن يأخذ الحمار العجيب إلى المدرسة، ليرى المعلم بنفسه الحمار، ويتعرف على حقيقة نطقه واتقانه لثلاث لغات."
وافق المعلم على طلب الوالد، وطلب من الحمار المتكلم أن يعد خطبة ليلقيها أمام رئيس الجمهورية وكل السلط المدنية والعسكرية وأن والده هو الذى أهداه له، وأطلق على الحمار اسم(أبوليوس)، وكان أهم ما جاء بخطاب الحمار هو المطالبة بتطبيق مبادىء الثورة الفرنسية على الحمير كما هى مطبقة على الأهالى فى الجزائر كما فى قول الراوى:-"أعد الحمار الخطاب الذى يعتزم القاءه أمام رئيس الجمهورية بأن تطبق فرنسا مبادىء الثورة الفرنسية على الحمير فى الجزائر، كما طبقتها على الأهالى. ويطالب بالخصوص بحقوق الحمير مهما كانت انتمآتهم الاجتماعية والعرقية فى المساواة والعدالة وحرية الرأى والتعبير والتمثيل فى البرلمان!." رفض المعلم خطاب الحمار لأنه يمس بسمعة فرنسا؛ لأن فرنسا تطبق المبادىء على الجميع حتى على الحمير، وقصة ابن القائد تثبت العكس أنها ظالمة وتفرق بين الأهالى، فمن يعمل لديها عميل له الحظ الأوفر من المعاملة الحسنة والمميزات الكثيرة، بينما من يرفض من بقية الأهالى لا يستطيعون أن يتكلموا بكلمة واحدة، فى ظل غياب العدالة الفرنسية، مما أدى إلى الغضب العارم على القائد قبل ابنه وتم طردهما من شدة تأثير القصة الخيالية التى عبر بها الصبى أجمل تعبير عن افتقاد الحقوق وضياع العدل، وفقدان الضمائر. ومن هنا يؤكد المعلم الفرنسى على رأيه فى العرب فى قوله:-"العرب هم العرب، لا أحد يستطيع التفريق بينهم، ،إذا اتفقوا على الشر، لأنهم على الخير لا يتفقون" أن العرب يتفقون على الشر ويختلفون على الخير، وإنهم إذا اتفقوا على الشر صاروا قوة موحدة منيعة حصينة على الأعداء، بينما إذا اختلفوا لم يستطيع أحد أن يوحدهم مرة أخرى.
وينهى الكاتب قصته برأيه:-"ماذا أقول يا امرأة؟ الذى يكتب لا يتكلم! أنا كاتب كلماتك حببتنى فى كل ما يكره الناس، وكرهتنى فيما يحبون.إن عمرى بقصتك صار ذا معنى. بكلماتك العارية البريئة صرت أدرك البراءة التى تقود إلى الجحيم! صرت أعرف أيضا أن مجموع الأخطاء يكون أحيانا صوابا فى عالمنا!."
تنهى (مسعودة) سردها فى وصفها للظلم والظالمين لكل دول العالم العربى، كم هو مجحف وقاسى فى قولها:-"إننى حزينة !لا على شبابى، لأنى أعرف شبابى لم يكن لى. كان للرجال الذين اغتصبونى وضحكوا على"كرمى" الساذج البرىء.اننى حزينة على مكة وحجاجها، على بغداد وسكانها، على الجزائر وشوارعها. حزينة من هذا الإسلام الدموى الذى يريد إزالة الحياة من الوجود ليحيا الناس مباشرة فى الآخرة كمجرمين!."
يشبه الكاتب مسعودة بالأرض المغتصبة لرجال لا تعرفهم، وتنجب أولاد كثر مختلفى المناصب؛ فهى الوطن العربى بأكمله، هى الجزائر المغتصبة من فرنسا، وهى فلسطين المغتصبة من إسرائيل، وهى العراق المغتصبة من أمريكا، وهى كل شبر فى أرض الوطن العربى اغتصب بغير وجه حق وانتهكت حرمته، ودمرت أرضه، وشرد شعبه، إذن هى الوطن؛ لذلك حزينة هى على كل بقاع الوطن العربى كما قالت على العراق والجزائر وفلسطين ومصر وليبيا وتونس الخضراء بعدما حدث لهم ما حدث.
ثانيا:- رواية سيدة المقام للكاتب واسينى الأعرج*
تدور أحداث رواية سيدة المقام للروائى الجزائرى (واسينى الأعرج) حول المجازر والحرائق والجهل المبنى عليه عقول الشعب، وقرب هدم المجتمع المدنى بأيدى أبنائه طيلة سنوات عديدة، قد يكون للروائى إرهاصات توحى بوقوعها وتقويض أساساتها انقيادا لأفهام خاطئة مدمرة أو رغبة فى تعميم الخراب، إلا أن هذه الرواية يعرضها لمرثيات اليوم الحزين ترسم توائما لمأساة تتدحرج فصولها على ساحات بلدان عربية أخرى تعتمد أغلب حوادثها على حقائق عاشها أبناء المجتمع الجزائرى مثل تكفير المجتمع المدنى والتفكير ببناء خلافة إسلامية، والتخلص من جاهلية الحكام والمحكومين الراغبين فى سيادة القوانين الوضعية وتطبيق الحدود الشرعية بالقوة، دون الاحتكام للسلطات والتمسك بمظاهر التدين والتشدد فيه، تدور فصول الرواية المقسمة على هيئة حلقات قصصية (نوفيلا) بداية من الفصل الأول المعنون بـ( مكاشفات المكان- ظلال المدينة- فتنة البربرية-حنين الطفولة- محنة الاغتصاب- الجمعة الحزينة- الجنون العظيم- البحر المنسى –حراس النوايا- إغفاءات الموت- نهايات المطاف).
ويصف الراوى هذه الجمعة بقوله:- "ستقولون رصاصة "الجمعة 7 أكتوبر من خريف 1998" رصاصة بلا معنى كغيرها من الرصاصات الكثيرة التى اخترقت صمت المدينة فى تلك الأيام.رصاصة خرجت من مسدس لا يعرف صاحبه مطلقا أنه هو صاحب الكارثة، قد يكون من بين المارة الذين أصادفهم يوميا فى الشوارع بعد أن أنهى خدمته الوطنية أو اللاوطنية؟! لا أعلم." أتوقف أمام هذه الفقرة التى تعد أساس الرواية ومضمونها فهنا تراكمت الأحداث وهنا قتلت مريم غدرا، وهنا جهل القاتل وضاع المقتول أمام ظلم مستمر لا يعلم من أين مصدره؟!، يعود جهل الظلم لكثرته وعدم اللامبالاة به؛ لذلك تبدأ أحداث الرواية حول نهاية فتاة جزائرية تسمى(مريم) سيدة المقام كما أطلق عليها الراوى صديقها وحبيبها، التى تواجه هجمة المجتمع الشرسة عليها، ونظرته لها باستخفاف كراقصة باليه، وتواصل هذه السيدة التى تكشف صفحات الرواية عن قوة عزمها فى خوض معركتها فى إصرارها على إكمال حفلتها الموسيقية فى أدائها لمسرحية شهرزاد تحت رعاية معلمتها الروسية (أناطوليا) ووسط معارضة حراس النوايا من شباب الحركات الأصولية التى انتشرت دعواتهم فى البلاد المغتصبة، قادها هذا التحدى إلى نزيف دماغى بعد إكمال عرضها المسرحى بسبب حادثة تعرضت لها قبل سنوات حينما أصابت رصاصة طائشة رأسها واستقرت به نتيجة مواجهة جرت بين رجال الأمن وإحدى الجماعات الأصولية القريبة من حيها السكنى، لم تكن مريم لها علاقة بكلا الفريقين؛ ولكن قادها القدر إلى نهايتها المظلمة، ونصحها الأطباء بعد الحادث الذى نجت منه بأعجوبة أن لا تبذل أى مجهود مهما كان.
ويصف الراوى مريم فى قوله:-"كانت مريم وردة هذه المدينة وحلمها، وتفاحة الأنبياء المسروقة فى لحظة غفلة، رعشة المعشوق وهو يكتشف فجأة خطوط جسد معشوقته؛ لكنها فجأة سقطت من تعداد كل الأشياء الثمينة التى ظلت مدة طويلة تعتز بها البنايات، والشوارع وقاعات المسرح، وصالات الرقص، والحارات الشعبية التى بدأت تتآكل على أطراف المدينة التى غيرت طقوسها وعاداتها، كيف تجرأت المدينة على قتل مريم فى هذه الجمعة الحزينة البائسة؟!"
كانت الرصاصة كتلة من الموت تنطلق من فوهة بركان ثائر تخترق فى طريقها أفراحنا, وضحكاتنا وكل الأمنيات, مرثية الجمعة الحزينة التى سرقت بكف خفية سيدة المقام من أحضان الحياة الرحيبة, ذكريات وطن خذل كل شىء حتى نفسه وحبس واقع تحت رحمةِ رصاصة, على لسان حبيبين يتقاطع حديثهما فى الرواية وكأنهما الشخص ذاته لهم نفس العين والشفتان، بل ولهما القلب ذاته أيضاً.
ماذا يحدث حينما يكون جرحنا هو الوطن ؟ حينما نسير فى طرقات كانت لنا يوماً ما يريد الآن أن يفرضَ نفسه كــقيد يلف كل أجزائنا النابضة بل وحبل المشنقة التى ستقتلنا يوماً ما, مامعنى أن يغلق الوطن أبوابه بعد أن يلفظنا خارج الزمن؟ خارج الحياة ؟ خارج الدائرة المشكلة لذواتنا؟.
تحكى مريم بطلة الرواية، وأستاذها بطل الأحداث بطريقة غاضبة وثائرة على الوطن، وعلى من كان يمسك بزمام الأمور فى تلك الحقبة، وذلك لأنهم أحبوا الجزائر وشاهدوا إنكساراته على أيدى الكبار, كيف أن كل جهود الثوار والشهداء تذهب هباءً منثورا على أيد جديدة تقتل البلاد وتخربها بدل من أن تعمّره؟ يعد موضوع الرواية عتاب قوى اللهجة بعد صدمة الخذلان, ومريم المأخوذة بالرقص, بالرغم من وجود تلكَ الجمعة الحزينة بينها وبين الحلم, ترقص على أطراف أصابعهاـ شهرزاد لـ رامسكى كورساكوف تمثل تلك الشرقية التى انتصرت على سكين القاتل وانتفضت على سوط الجلاد, برصاصة عالقة فى رأسها, بحركات اليدين, بالدوران والقفز حينما تلمس بأطراف يديها تلك الأقدام المرتفعة, المليئة بنشوة الباليه تهبط وتصنع مروحة كبيرة الظل لخصلات شعرها الأسود تلك كانت الأسلحة التى تتشبث بها مريم فى هذه الحياة وتواجه الموت الذى كثر وجوده على أطراف مدينتها.
تحتاج الرواية إلى مجهود القارىء وتركيزه، وإلا سيفقد القارئ خيوط القصة؛ لأنها تبدأ من النهاية حتى تعود إليها برواية كل الأحداث التى حدثت بالتناوب بين الشخصيات الرئيسية فى قلب الأحداث، تبدأ المقدمة فى قول الكاتب:-"فى البدء كنت وحدك وكانت الزرقة والماء إليك أيها البحر المنسى فى جبروت عزلتك الكبيرة يا سيد الأشواق والحنية إليك مريم، يا زهرة الأوركيدا ومرثية الغريب يا سيدة المقام والمستحيلات كلها." تبدأ الرواية باستباق لما سوف يتم حدوثه فى مضمون العمل الأدبى فى قول الراوى:-"شىء ما تكسر فى هذه المدينة بعد أن سقط من علو شاهق. لست أدرى من كان يعبر الآخر: أنا أم الشارع فى ليل هذه الجمعة الحزينة.الأصوات تملأ الذاكرة والقلب صارت لا تعد ولم أعد أملك الطاقة لمعرفتها.كل شىء اختلط مثل العجينة." يحكى الأستاذ العاشق عن تجربته بعد موت مريم الجميلة وحزنه على وفاتها، وكيف رأى الدنيا بعدها، وسأم الحياة دونها، وعزف عن العيش فيها؛ مما أدى به إلى التوهان والدوران حول نفسه لا يدرى من الذى يخترق الآخر هو أم الشارع أم ماذا يحدث له؟! فهى بداية استباق لأحداث سوف تحدث لاحقا فى مضمون العمل الروائى.
الشخصيات فى رواية سيدة المقام:-
مريم :- بطلة الرواية وراقصة بالية وتدور جُل الأحداث على فكرها المتمرد وشخصيتها القوية المتمثلة فى تحقيق حلمها مهما كانت النتائج المترتبة عليه، وهى تمثل جانب المقاومة والصمود.
الأستاذ:- أستاذ جامعى كاتب وعاشق للفن الكلاسيكى، ومعلم مريم فى مادة (نقد الفن الكلاسيكى) وحبيبها وله الصفات الفكرية نفسها من تمرد وثورة وغضب عام على كل ما يحدث فى بلادهما، فكان لابد من الالتقاء فى الطريق نفسه مع معشوقته مريم.
والدة مريم:- سيدة بسيطة تخاف على مريم ومتمردة مثلها فى علاقتها بعم مريم التى تزوجها بعد خبر مقتل والد مريم.
محمود :- زوج مريم الذى اغتصبها لدلالة الكلمة من أنه أخد حق ليس له رغم العكس من ذلك وبعد ذلك تم الانفصال.
أناطوليا:- راقصة البالية ومعلمة مريم ومشجعتها على استكمال الطريق الهدف الأسمى بالنسبة لها.
عم مريم:- الذى تبنى تربيتها بعد والدها والشخصية المنكسرة المتقلبة من جراء ما حاق به من أحداث ظالمة.
اجتمعت هذه الشخصيات لترسم خيوطا قوية لشد أطراف الرواية واستكمالها فى نطاية المطاف، من تنوع وتقاطب بين الشخصيات وبعضها مما أدى إلى الشد والجذب واكتمال الصورة المرسومة لدى الكاتب، مما أظهر الدور القوى للشخصية من قيمة مؤثرة فى ثنايا العمل بل تعد هى كل العمل ومضمون محاوره.
ظهرت العوامل المؤثرة والفردية بين سمات كل شخصية وأخرى، ودلت على مدى ثقافتها واطلاعها من العلم والثقافة والتربية فى قول الأستاذ:-"الليالى الماضية كانت رديئة، أكثر الليالى بؤسا. لم أنم جيدا.لم أقرأ جيدا. لم أتذكر جيدا، لم أفلح جيدا، لم أخفق جيدا، لم أتحدث جيد، لم أسمع جيدا، لم أمش جيدا، لم أقف جيدا، كنت حزينا من أجلك بعد غلق صالة الرقص واستيلاء البلدية عليها بالقوة لكن الرصاصة الملعونة التى كانت تنام فى دماغك، أعرفها جيدا قطعة نحاسية صغيرة وتافهة، محشوة بكتلة من الرصاص الثقيل." إذن هذا هو الأستاذ الذى يتحدث بدقة ووصف دقيق ومفصّل ورؤية للرصاصة التى اخترقت رأس مريم، وتحديدا الرأس ليدل على قتل كل شىء حيث الرأس هو العقل المدبر لكل الأحداث؛ لكى يقضى على سيدة المقام وهى على قيد الحياة، بل يمحى كل ما تؤمن به أو تحاول التفكير فيه، حتى الأستاذ شُل تفكيره وشُلت حركته من أجل مريم (الحياة والحب والعزيمة والقوة والمقاومة والصمود والأمل والطموح).
بينما تأتى شخصية مريم ظاهرة فى قول الراوى:-"ماذا تصنع بامرأة يأكل الجنون حاضرها وغيابها. لا تعرف حتى أباها منهكة من كثرة الأسئلة التى تصطدم بالناس ثم تعود إلى قلبها مثلما خرجت.أنا اليوم ممتلئة بك. وأريدك أن تسمعنى. فهل قلبك معى؟؟ لم أقل هذا لزوجى الذى انتعلنى مثل فردة حذاء مهملة منذ زمن بعيد." تعلن مريم حبها لأستاذها الذى لم تبادله لزوجها، الذى عاملها معاملة سيئة وجعلها مثل الحذاء، وتصف نفسها بالجنون والتمرد لأن فى زمنها كانت الفتاة تتزوج وتستكين فى بيت زوجها، أما هى فقد تمردت على هذه العادات والتقاليد الزائفة بالنسبة لها، وتخلصت من زوجها المستبد القاسى الذى طعنها فى إنسانيتها وكرامتها أمام الجميع.
الزمن فى الرواية:-
وضح زمن الرواية من خلال الأحداث التى تناولها الكاتب فى ثنايا الأحداث، وأكد على ذلك فى ختام الرواية وتحديد الفترة الزمنية مباشرة فى قوله:-"الجزائز العاصمة – شتاء، ربيع 1991م"هذا التذييل الذى أعقبه ختام للرواية وذكر التاريخ الذى كتبت فيه؛ لتحديد هُوية الأحداث والأشخاص والتركيز على هذه الفترة تحديدا. بينما يوجد تشابه قائم بين الروايتين فى الختام وتحديد هوية الزمن والفترة المعنية بهذه التنكيلات السياسية والدينية التى حدثت بها فى رواية الكاتب عبد الحميد بن هدوقة أيضا فى ختام روايته:-"الجزائر فى 9 محرم 1411ه- الموافق لـ 21 ويليه 1991م." أدى تشابه الفترة الزمنية لتناول الأحداث فى الراويتين إلى تشابه فى المضمون والتركيز على الأحوال الفاسدة والأوضاع المنتهكة فى الجزائر فى هذه الفترة الزمنية تحديدا.
بدأت الرواية بزمن عكسى هابط منذ بداية الأحداث إلى نهايتها، وهو زمن دائرى بدأ بمشهد المستشفى وموت مريم وانتهى بنفس الألام المترتبة على موتها وضياع حبيبها مع موتها وانطلاقه على وجهه هائما فى الشوارع. فبدأ الراوى فى وصفه:-"تملؤنى الحيطان البيضاء، والألبسة البيضاء، والوجوه المرتعشة التى تعلق أحلامها بين شفتى طبيب أو طبيبة، رائحة الأدوية، والسيروم، والمراهم والأنفاس المتقطعة والخيوط البلاستيكية والأسرة والأرقام التى تستفز والأبواب التى تفتح وتغلق بسرعة مذهلة، الوجوه التى تدخل وتخرج تاركة وراءها ظلالا من الخوف." بدأ المشهد الأول بالمستشفى التى توفت فيها مريم فى قول الراوى:-"بدأت أتأمل حيطان المستشفى، مستشفى"مصطفى باشا" عال، عال، يبحث عن سماء ضيعت أوانها الأصلية وحالت فجأة مثل خرقة بالية، الأشجار انحنت ويبست فى هذه الساحة الواسعة بلا أى معنى، مثلها مثل المدينة التى لم تعد مدينة شكل آخر بدأ ينشأ داخل هذا الفراغ المقلق." وتنتهى أحداث الراوية على وصف الراوى للحدث نفسه، وآثاره الناجمة فى نفسه فى قوله:-"مطر من الدم يسقط أضع أصبعى فى فمى. تلتصق الملوحة بحلقى. أطل من أعلى الجسر.أصعد على المقابض الحديدية.الهوة تزداد اكثر فأكثر.والصرخات تملأ الأرجاء. والسكاكين لا تسمع إلا صوت الآلة التى كانت تبرد جنباتها. كانت البلاد تذبح نفسها بقوة، وبعناد كبير. الوطن ينتهى ويصير أوطانا.القبائل تتحول إلى مداشر والمداشر تصغر لتصير غيرانا. الألسن تضيع. وفرسان البلاد القديمة يبحثون عن موتهم خارج النهايات المبتذلة.وأنا، جسدى يتدحرج فى الهواء.أقبض على المقابض الحديدية بقوة، أكز على أسنانى. أرفض أن أرى الهوة مرة أخرى.أغمض عينى. ليكن الدنيا تعاش بقوة أو ترمى دفعة واحدة." شبه الكاتب مريم بالوطن الأم، وبموت مريم مات الوطن وانتهى وهذا ما يريد قوله حبيبها أنها الوطن والأم والأخت والبنت والحبيبة الوفية النادرة، وبضياعها ضاع كل شىء حتى هو ضاع فى آهات الحياة موتا أو شرودا أو انتحارا، فالضياع كان السمة الغالبة على البطلة والبطل تزامنا مع ضياع الوطن.
الاستباق فى الرواية :-
بدأت الرواية باستياق للأحداث حيث أنها بدأت بوصف المستشفى التى ماتت بها مريم، واستكمل الكاتب حديثه عن هذه الحادثة، وبدأت تتدرج الأحداث إلى وسط الرواية وهى بداية الأحداث، وسبب موت مريم، مرورا بالعودة إلى النهاية والتى تدور فى الحلقة المفرغة نفسها، من موت إلى حياة إلى موت. ويأتى مشهد الاستباق المقصود من مريم عندما تتخيل موتها قبل موت أستاذها وحبيبها فى قولها:-"تصور.أعرف المشهد قبل حدوثه.سيزورك الأصدقاء فى بيتك الجميل.سيجلسون جميعا على طاولة الأصدقاء.واحد يضع سيجارة فى فمه.وآخر يشعلها ثم يضعها بين شفتى صديقه بعد أن يمسد عليهما بأصابعه.وآخر يخرج زجاجة ويسكى من جيبه، ويقسم أنه جاء بها من سفرته الأخيرة إلى أوروبا. ويقول الجميع لنشرب على نخب الغائبين.وتستأنس أنت بقليل من الحزن وبالوجوه التى تحيط بك." تصور مذهل من مريم لكيفية الوضع بعد موتها، وكيفية مواساة أصدقاء أستاذها وحبيبها فى الوقت نفسه؛ فهى تتخيل وتستبق الأحداث قبل حدوثها، ولكن حدث بالفعل ما توقعته مريم أنها ماتت قبل حبيبها، ولكنه لم يجلس مع أصحابه بل وصل لدرجة الجنون، ومن ثم نفسه فقدا تاما.
وجد استرجاع مثلما وجد استباق أيضا فى قول الراوى:-"ماذا تريد أن تعرف ؟! كل شىء مقلق تقول مريم بحزن وبخفوت ظاهر على صوتها.أمى مسكينة مخلوقة وحيدة فى وجدانها.تزوجت مبكرا من رجل لم تحبه ولم يحبها ولكنها منذ الليلة الأولى أحست بقوته وشجاعته وفتوته وكبريائه.قال لها: يا بنت الناس أنا وأنت كيف.كان ابن عمها لم تتكلم معه إلا قليلا.وبعد شهر من زواجهما، قال لها البلاد تشتعل وعلى أن أحمل زادى وشوقى وأهاجر باتجاه الغابات الصنوبر والصفصاف العملاقة والبلوط. كانت شابة لبوءة تفاحة بلدية رأت الكثير فى قريتها رأت الأجساد التى كانوا يسحلونها كل مساء فى القرية...خرج ليلا من يومها لم يعد أبدا."
تداخل الأجناس فى الرواية :-
اعتمد الكاتب على اقتباس الشعر وغلبة الحوار بين الأستاذ العاشق والمعشوقة (مريم) فى أنحاء متفرقة من الرواية للتعبير عن حالة صدمة الأستاذ الجامعى، بما يتناسب مع مستواه العلمى؛ وثقافتة الواسعة؛ وذلك لتوضيح الفكرة المبنية عليها أحداث الرواية؛ فبدأت الرواية بجزء منه وانتهت أيضا باقتباس، ولو جمعنا الاقتباسات المتضمنة فى ثنايا الرواية لوجدنا أن الكاتب استعان بالاقتباسات منذ بداية مسيرة الأحداث فى قوله:-"اشتقنا إلى أناشيدك المضمخة برذاذ المساء. يا موجة المسكين - القلب راه حزين
فى أشدة واللين - داخلك اليوم
يا موجة العاشق - يا لبحر الغامق
رانى فيك غارق - كى طيور الحوم
يا موجة لهبيل - العاشق راه قتيل
خليه يشهق ف أحضانك..."
ويستشهد بالأبيات الشعرية مرة أخرى فى قول المغنى الشعبى الجزائرى (مسكود) الذى يلقبه بالمجنون العظيم فى قوله:-"وين زنجى بابا سالم
سنجاق طبول ومحارم – وغواشى عليه ملايم
ماذا بنان ذوك السنين – غابت النية يا فاهم
راح ذلك الوقت الزين."
وتعود مرة أخرى إلى ( عبد المجيد مسكود) الشاعر نفسه الذى يتغنى بالجزائر فى قوله:-"من كل جهة جاك الماشى – زحف الريف جاب غاشى
وين القفاطين والمجبود- عاد طراز لحرير مفقود
وينهم خرازين الجلود- وينهم النقاشين؟!
وين صانع سروج العود- وينهم الرسامين؟؟!
قولوا لى يا سامعين(...)"
يعود هذه المرة الأستاذ عندما ماتت مريم يسترق صوت (غفور) أحد رواد الأغنية الأندلسية فى الجزائر الذى كان ينبعث من البار- المقهى المقابل للمستشفى، بشكل محزن وجنائزى... "أنا مجفاك كاويتنى، آ ولفى مريم
كيف الحال يا الباهية!... بذيك النظرة الباشرة
حيينى من ثم ...آ ولفى مريم..." ويستكمل لسماع الأغانى الحزينة لرثاء مريم الذى لم يتخيل فقدانها واختفائها من حياته الحالمة بها فى سماع أغنية لفيروز فى قوله:-"اليوم علق على خشبة – الذى علق الأرض على المياه
الذى وشح السماء بالغيوم.- سمر بالمسامير - وابن العذراء طعن بحربة." وعاد مرة أخرى لصوت فيروز ينعى بكل الأسى فقدان الحبيبة الغالية؛ وكأنه يشاطره أحزانه فى قوله:-"إكليل شوك – وضع على هامة، ملك الملائكة"إلى أن يختم روايته بأبيات للمغنى الشعبى من مدينة ندرومة التاريخية:-" أنا مجفاك كويتنى آ ولفى مريم كيف الحال يا الباهية.. كيف الحال يا الباهية .. كيف الحال؟!.." وكانت نهاية أحداث صفحات الرواية، يتساءل عن حال مريم الجميلة والمعشوقة الأثيرة لديه. وقد استعان بالأبيات الشعرية؛ ليعبر عن حالته الحزينة، وألمه الكبير، ومصابه العظيم فى الحبيبة والجميلة والعظيمة وسيدة المقام مريم.
مظاهر تراسل الفنون فى الرواية:-
أولا:- غلبة الحوار على الرواية؛ وكأن الأحداث تدور فى حوار مطول بين الأستاذ ومريم لوصف حال الجزائز فى هذه الحقبة الزمنية المرتهنة بأحداث سياسية شائكة أودت بآمال وأحلام وطموحات العديد من أبناء الشعب بل نستطيع أن نقول الشعب بأكمله.
ثانيا:- اقتباس الفن الموسيقى الكلاسيكى وفن الرقص (رقص البالية)، الذى شغفت به مريم ورسخت حياتها له، مما أدى إلى نهايتها المحتمة لتمسكها بتحقيق حلمها الذى طالما حلمت بتحقيقه وشغفت بدراسته، ورهنت نفسها لاثبات ذاتها من خلاله.
ثالثا:- أصبحت الرواية نتاج تمازج الفن الكلاسيكى وفن الرقص وفن الموسيقى، مما جعل الرواية فنية راقصة مصورة لفن الموسيقى وعشق مريم له، رغم الأحداث السياسية والفترة الخصبة بالعقبات والصعوبات إلا أن فن تداخل الأجناس جعل من الرواية لوحة فنية معبرة وراقصة كبالية بحيرة البجع. وفى نهاية أحداث الرواية نجد أن الكاتب وفق فى الجمع بين الرقص والموت، باعتبارهما ملامح جسدية للذات، يسيطران على الرواية، وقد حللهما من خلال عمل روائى واحد هو (سيدة المقام) الذى يظهر بجلاء علاقتهما التضادية، معتبرا أن الرقص ملمح بلاغة كلامية، بينما الموت ملمح بلاغة صمت وفقدان وحزن مكلوم.
النتائج المترتبة على دراسة الروايتين:-
< >التشابة الواضح بين القطبين الكبيرين والعملاقين العظيمين (الكاتب عبد الحميد بن هدوقة والكاتب واسينى الأعرج) فى التركيز على القضايا السياسية والدينية واختيار الفترة ذاتها لمعالجة جُل الأحداث المطروحة على الساحة الجزائرية آنذاك.تضمين الأنثى فى الروايتين وأهمية وجودها فى الحياة الواقعية والخيالية عن طريق الكتابة؛ (فمسعودة) فى رواية غدا يوم جديد هى البطلة والساردة والحالمة والطموحة والأم لمختلف الجنسيات ورمزا لاغتصاب الأوطان والحقوق المهدرة، كذلك هى (مريم) فى رواية سيدة المقام هى رمز الوطن والاغتصاب أيضا والفناء حيث استطاعت مريم أن تحيى حبيبها، وهى نفسها التى استطاعت أن تمحوه عندما ماتت وضاعت ضاع معها كل شىء، لم يجد له وطنا يؤيه أو أما تحميه، أو سندا يرتكز عليه بعدها.تشابة الأحداث فى معالجة المضمون؛ ولذلك آثرت هذا الاختيار بدقة وعناية وعن قصد للتشابه القائم بين العملين وتحديدا الفترة الزمنية فى 1991م، وهى الفترة الذى هاجت فيها الأحداث السياسية العارمة فى الشقيقة الجزائر.تناول قضية سياسية واضحة اندرجت تحتها قضايا متكاثفة أدت إلى تعقيب أدبى واجتماعى وسياسى عبر عن حال الجزائر تحديدا فى الحقبة نفسها.الحالة الثورية والحرية التى زلزلت أركان البلاد من خلال صب جام غضب الكاتب فى سيدة المقام وتسيد حالة الثائر الوطنى والمتمرد الثقافى فما حدث للبطلة (مريم) فى صورة قتل واختراق للرصاصة لرأسها، لكى ينفى هويتها ويطمس معالم تفكيرها.كثرة الاقتباسات من القرآن الكريم فى رواية غدا يوم جديد للكاتب عبد الحميد بن هدوقة للترميز على قدسية النص، وإضافة تقديسا خاصة وأحكاما دينيا يقنع القارىء بما يريد توصيل بالأدلة والبراهين القرآنية الموثقة والمحببة لقلب القراء.الاقتباس من الشعر العربى وتداخل مضامين شعرية داخل المضامين الروائية؛ وكأن كل كاتب يريد أن تخرج روايته فى أبهى صورها بل مزينة بأجناس أدبية أخرى خدمت النص المرهون بالدراسة وأضفت عليه بريقا ثقافيا، ومزيجا فنيا أدبيا لا يخلو من الإثارة والتشويق وقبول العمل بمختلف أجناسه.المصادر
< >القرآن الكريمعبد الحميد بن هدوقة – رواية غدا يوم جديد.واسينى الأعرج – رواية سيدة المقام.المراجع:-
< >ربحى مصطفى عليان- البحث العلمى أسسه – مناهجه- أساليبه- إجراءاته - جامعة البلقاء الأردنية - الأردن – بيت الأفكار الدولية.روبرت همفرى ـ تيار الوعى فى الرواية الحديثة ـ ت د. محمود الربيعى.3- عبد المالك مرتاض- القصة الجزائرية المعاصرة – ط1 – الجزائر – المؤسسة الوطنية .
4- جريش سيماوى الحلقة النقدية فى مهرجان جريش السادس عشر ـ ص 47.
5- حسن بحراوى ـ بنية الشكل الروائى ـ المركز الثقافى العربى ـ ص 122.
6- حميد الحمدانى- بنية النص السردى ـ الطبعة الثانية 1993م- المركز الثقافى .
7- شكرى عزيز ماضى- أنماط الرواية العربية الجديدة - عالم المعرفة
< >كمال عيد ـ فلسفة الأدب والفن ـ الدار العربية للكتاب ـ ليبيا ـ تونس ـ 1978م ـ9- محمد نجيب التلاوى- رؤى نقدية معاصرة- القاهرة
< >محمد نجيب التلاوى – مقال (ظاهرة تراسل الفنون)مراد عبد الرحمن ـ بناء الزمن فى الرواية المعاصرة ـ الهيئة العام للكتاب12- معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ـ
13- معجم الوجيز ـ مجمع اللغة العربية ـ 2002م ـ حرف الواو ـ
14- مجدى وهبة - كامل المهندس ـ معجم المصطلحات العربية فى اللغة والأدب ـ لبنان ـ ط2
15- محمود الحسينى ـ تيار الوعى فى الرواية المصرية المعاصرة ـ القاهرة- يناير 1997م.
) د.ربحى مصطفى عليان- البحث العلمى أسسه – مناهجه- أساليبه- إجراءاته - جامعة البلقاء الأردنية - الأردن – بيت الأفكار الدولية- صـ54
) د. محمد نجيب التلاوى – مقال (ظاهرة تراسل الفنون)- صـ1
(1) د. محمد نجيب التلاوى- رؤى نقدية معاصرة- القاهرة- صـ5.
(2) د- شكرى عزيز ماضى- أنماط الرواية العربية الجديدة - عالم المعرفة - صـ 194.
(1) د- محمد نجيب التلاوى- مقال (تراسل الفنون)- صـ 5.
) عبد الحميد بن هدوقة أديب جزائرى ( 1925 - 1996) ولد عبد الحميد بن هدوقة فى 9 يناير 1925 بالمنصورة برج بوعريريج. انتسب بعد التعليم الابتدائى إلى معهد الكتانية بقسنطينة، ثم انتقل إلى جامع الزيتونة بتونس ثم عاد إلى الجزائر ودرس بمعهد الكتانية بقسنطينة. ، دفعه نضاله ضد المستعمر الفرنسى الذى وقف له بالمرصاد، إلى مغادرة التراب الوطنى مرة أخرى نحو فرنسا ثم اتجه عام 1958م لتونس، ثم رجع إلى الوطن مع فجر الاستقلال، توفى فى أكتوبر 1996م. تقلد عدة مناصب منها:- مدير المؤسسة الوطنية للكتاب، رئيس المجلس الأعلى للثقافة، عضو المجلس الاستشارى الوطنى ونائب رئيسه، له مؤلفات شعرية ومسرحية وروائية عديدة ترجمت لعدة لغات،اكسبته نشأته فى الأوساط الريفية معرفة واسعة بنفسية الفلاحين و حياتهم، ما جسده فى عدة روايات تناولتها الإذاعات العربية.
) عبد الحميد بن هدوقة – رواية غدا يوم جديد- الجزائر – منشورات الأندلس-1992 - صـ 1
) المصدر نفسه – صـ13
) عبد الحميد بن هدوقة- غدا يوم جديد-صـ15
) المصدر نفسه – صـ 21
) القرآن الكريم – سورة القلم
) المصدر نفسه – صـ 9
) عبد الحميد بن هدوقة – غدا يوم جديد- – صـ17
) المصدر نفسه- صـ 46-47
) عبد الحميد بن هدوقة – رواية غدا يوم جديد - صـ 35
(*) Flash Back أتى هذا المصطلح فى معجم المصطلحات العربية بمعنى الاسترجاع وأيضا مصطلح Analapsis بنفس المعنى.
(1) د. حميد الحمدانى- بنية النص السردى ـ الطبعة الثانية 1993م- المركز الثقافى صـ 73.
(1) د. محمود الحسينى ـ تيار الوعى فى الرواية المصرية المعاصرة ـ القاهرة- يناير 1997م، ص86.
(1) حسن بحراوى ـ بنية الشكل الروائى ـ المركز الثقافى العربى ـ ص 122.
(3) جريش سيماوى - الحلقة النقدية فى مهرجان جريش السادس عشر ـ ص 47.
(1) المرجع نفسه - ص 48.
) عبد الحميد بن هدوقة – رواية غدا يوم جديد- صـ 36
) المصدر نفسه – صـ37
) المصدر نفسه – صـ37
) عبد الحميد بن هدوقة – رواية غدا يوم جديد – صـ 332
) د.عبد المالك مرتاض- القصة الجزائرية المعاصرة – ط1 – الجزائر – المؤسسة الوطنية للكتاب – 1992 ص 99 .
) عبد الحميد بن هدوقة – رواية غدا يوم جديد - صـ185
) المصدر نفسه – صـ 39
) عبد الحميد بن هدوقة – رواية غدا يوم جديد صـ33
) عبد الحميد بن هدوقة – رواية غدا يوم جديد – صـ 53
(1) د. مراد عبد الرحمن ـ بناء الزمن فى الرواية المعاصرة ـ الهيئة العام للكتاب ـ ص209.
(2) روبرت همفري ـ د. محمود الربيعي ـ تيار الوعى فى الرواية الحديثة ـ دار غريب ـ ص22.
(1) مجدى وهبة - كامل المهندس ـ معجم المصطلحات العربية فى اللغة والأدب ـ مكتبة لبنان ـ ط2 ـ 1984م ـ ص128.
(2) د. كمال عيد ـ فلسفة الأدب والفن ـ الدار العربية للكتاب ـ ليبيا ـ تونس ـ 1978م ـ ص104.
(1) ينظر المعجم الوجيز ـ مجمع اللغة العربية ـ 2002م ـ حرف الواو ـ ص675.
(2) ينظر معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ـ ص136.
(3) روبرت همفرى ـ تيار الوعى فى الرواية الحديثة ـ ت د. محمود الربيعى ـ ص23.
(4) المرجع نفسه ـ صـ27.
(1) المرجع نفسه ـ صـ59.
(2) المرجع نفسه ـ صـ74.
) عبد الحميد بن هدوقة- غدا يوم جديد-صـ 184
) المصدر نفسه - صـ 194
) المصدر نفسه- صـ 10
) عبد الحميد بن هدوقة – غدا يوم جديد ـصـ 10
) المصدر نفسه – صـ 13
) المصدر نفسه- صـ 17
) المصدر نفسه – صـ 199
) عبد الحميد بن هدوقة – غدا يوم جديد – صـ 222
) المصدر نفسه – صـ 223
) المصدر نفسه – صـ 254
) المصدر نفسه – صـ 220
) المصدر نفسه – صـ223
) المصدر نفسه – صـ 327
) عبد الحميد بن هدوقة – غدا يوم جديد – صـ 242
) المصدر نفسه- صـ 243
) المصدر نفسه – صـ 244
) عبد الحميد بن هدوقة – غدا يوم جديد – صـ 242
) المصدر نفسه – صـ 302
) المصدر نفسه – صـ 306
) ولد فى 8 أغسطس 1954 بقرية سيدى بوجنان الحدودية- تلمسان جامعى وروائى جزائرى. يشغل اليوم منصب أستاذ كرسى فى جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون فى باريس. يعتبر أحد أهمّ الأصوات الروائية فى الوطن العربى. على خلاف الجيل التأسيسى الذى سبقه، تنتمى أعمال واسينى، الذى يكتب باللغتين العربية والفرنسية، إلى المدرسة الجديدة التى لا تستقر على شكل واحد وثابت، بل تبحث دائمًا عن سبلها التعبيرية الجديدة والحية بالعمل الجاد على اللغة وهز يقينياتها.إن اللغة بهذا المعنى، ليست معطى جاهزًا ومستقرًا ولكنها بحث دائم ومستمر. إن قوة واسينى التجريبية التجديدية تجلت بشكل واضح فى روايته التى أثارت جدلاً نقدياً كبيرًا، الليلة السابعة بعد الألف بجزأيها: رمل الماية والمخطوطة الشرقية. فقد حاور فيها ألف ليلة وليلة، لا من موقع ترديد التاريخ واستعادة النص، ولكن من هاجس الرغبة فى استرداد التقاليد السردية الضائعة وفهم نظمها الداخلية التى صنعت المخيلة العربية فى غناها وعظمة انفتاحها.
) واسينى الأعرج- رواية سيدة المقام- صـ8
) المصدر نفسه- صـ7-8
) واسينى الأعرج – سيدة المقام- صـ5
) واسينى الأعرج- سيدة المقام- صـ7
) واسينى الأعرج – سيدة المقام – صـ 15
) المصدر نفسه – صـ 70
) واسينى الأعرج- رواية سيدة المقام – صـ240
) عبد الحميد بن هدوقة – غدا يوم جديد- صـ332
) المصدر نفسه - صـ7
) المصدر نفسه - صـ7
) واسينى الأعرج – رواية سيدة المقام- صـ239-240
) المصدر نفسه – صـ 11
) واسينى العرج – رواية سيدة المقام –صـ70-71
) واسينى الأعرج – رواية سيدة المقام – صـ 47
) المصدر نفسه – صـ164
) المصدر نفسه – صـ174
) المصدر نفسه – صـ 220
) المصدر نفسه – صـ 229-230
) واسينى الأعرج – رواية سيدة المقام – صـ236
) المصدر نفسه – صـ240